أبو زياد يتحدى تل أبيب !
إجتاحت إسرائيل لبنان عام 1982 ووصلت إلى العمق والداخل اللبناني بما فيها إقليم الخروب ، وبعد مواجهة غير متكافئة إستطاع بعدها جيش العدو الإسرائيلي من دخول بيروت ، فبدأت عمليات المقاومة ضده في العاصمة ، وأعلن عن قيام جبهة المقاومة الوطنية في 16 أيلول 1982 فتوسعت العمليات لتشمل كل المناطق .
وكان من أشهرها عملية وادي الزينة جنوبي بلدة برجا الشوف التي أوقعت خسائر فادحة في صفوف العدو ، فذاع صيت هذه البطولة في الإعلام وكُتب عنها الكثير .
ابن برجا الدكتور محمد عبد السلام مصطفى الزعرت كتب عنها تحت عنوان : ” أبو زياد يتحدى تل أبيب أفلا تتحدى برجا واشنطن ! ” .
وقد علقت هذه العبارة وهذا الشعار بأذهان أهل برجا والأقليم ولبنان ، أما تفاصيل هذه العملية البطولية وما رافقها من تحركات شعبية فجاءت في كتاب الدكتور الزعرت على الشكل التالي :
بعد إنطلاق العمليات العسكرية لأبطال المقاومة الوطنية اللبنانية ضد العدو الإسرائيلي كُتبت الشعارات المختلفة على جدران المناطق ، إلا أن شعارً واحداً لفت نظر الجميع وكان ذا نكهة خاصة يقول : ” برجا تتحدى واشنطن ” ، وبعد عودة قسم من الشباب المقاتل إلى البلدة أخذوا يدردشون حول سير المعارك ونتائجها والشعارات التي كُتبت ومغزاها .
إعترض أحدهم على شعار ” برجا تتحدى واشنطن ” وعلّق مازحاً ” الشعار حلو بس فيه مبالغة ” ، عندها انتفض أحد المسنين الحاضرين وأجاب بعصبية : ” لا وألف لا ، الشعار مزبوط ” إذا ابن التصفاية تحدى تل أبيب وجيشها ، مش كتير على برجا إذا تحدت واشنطن ” .
والتصفاية هو اللقب التاريخي لوالد أبو زياد ” عبد الرحمن دمج ” وقد أطلقه عليه والده محمد قاسم وهو بعد ابن يومه الأول ، وذلك عندما سأله الجيران عن المولود الجديد فأجاب : ” الحمد لله صبي ، وهيدا التصفاية ” ، أي أنه لا يريد أن ينجب أولاداً بعده .
رُزق عبد الرحمن بمحمد وأحمد وكمال وجمال و … إلى أن أصبحت العائلة أكثر من سبعة .
وتمر الأيام ويتخرج محمد من دار المعلمين ، ويتجه أحمد وكمال اتجاهاً مغايراً مميزاً في حياتهما : تثقيف ذاتي وطني ثوري ، مع ميول واضحة خاصة لدى كمال للعلوم العسكرية ، صحيح أن كمال أنهى بدوره دار المعلمين إلا أن اتجاهه نحو العلوم العسكرية كان ينمو بنضج سريع ومذهل ، يقرأ كثيراً ويستوعب أكثر : غيفارا ، كاسترو ، ناصر ، جنبلاط ، لينين ، جياب … وغيرهم .
كان البعض يعتقد أن زواج كمال ، الذي أصبح بعد سنة ” أبا زياد ” ، سيجعله يستكين قليلاً ، وتخف مساهمته في العمل الوطني . لكنه على العكس من ذلك ، وأثناء الدورة العسكرية الأخيرة التي التحق بها أثار إنتباه المسؤولين عنه خاصة عندما كان الموضوع يدور حول إستعمال مختلف أنواع الأسلحة ، البرية والجوية ، والبحرية في المعركة في آن واحد .
زميله جلال يقول : ” من أين لنا كل هذه الأسلحة لإستعمالها ، لدينا أسلحة فردية في ظل الإحتلال علينا أن نحسن إستعمالها الآن ، وهذا يكفي … ” .
كمال في الثلاثين من عمره ، يكاد يكون الأقصر قامة بين أشقائه ، سريع الخاطر ، هادىء في حديثه ، رشيق في مشيته ، متسامح مع أصدقائه متشدد في مبادئه ، سريع في تحركاته دقيق في تصويبه عنيف في قصفه ، يكنّ له الإسرائيليون ، ” مودة ” خاصة ، تدل على ذلك المعلومات التي جاءت من معسكر ” أنصار ” والتي تقول : إن صورته معلقة في مركز القيادة حيث كان الضباط الإسرائيليون يرددون أمام عارفيه : ” مستعدون لإطلاق سراح المئات من المعسكر مقابل إلقاء القبض على هذا … ” ، وتنهال الشتائم التي تصف مطلقيها بشكل دقيق .
بدون طول سيرة .. كان هناك قرار بملاحقة الإحتلال لإقتلاعه ، هذا هو الهاجس ، فالعدو قوي ، ماكر مدجج والعملاء ناشطون ، العدو يملك ثكنة كبيرة في البلدة ، ومطاراً في الدامور ، وعملاء في الداخل والخارج ، والقضايا العسكرية تتطلب نظرة شمولية وسرعة خاطر ، أعصاباً هادئة ومعلومات وافية ، فيزياء ، جغرافيا ، إحداثيات ، تاريخ ، علم إجتماع ، علم نفس ، إلى جانب معلومات دقيقة عن تحركات العدو العسكرية ، لذلك كان من المفروض رصد هذه التحركات وخاصة من برجا إلى صيدا لتحديد الهدف وبلورة الفكرة والبدء بالتنفيذ وتحديد ساعة الصفر .
الهدف تحدد … قافلة يومية للعدو تتجه من برجا إلى صيدا ، والمكان الذي تحدد لضربها هو وادي الزينة قرب مسبح ” لافريكات ” و ” أفران السلام ” والساعة الخامسة والنصف صباحاً كانت ساعة الصفر .
في البرجين ، اجتمع المقاتلون الستة بحضور ” أبو زياد ” ، شرح لهم الهدف وتفاصيل الخطة : ثلاث آليات قادمة ، تنقسم المجموعة إلى مجموعتين بشكل كماشة ، ثلاثة في الجناح الأيمن الأساسي ، ومجموعة الإلهاء .
الأسلحة التي كانت بحوزتهم عبارة عن الـ ” ب سفن ” والكلاشن وقنابل (م.د) المضادة للدروع … وسيارة ” المرسيدس ” تقف بعد عملية الإنتشار قرب معمل الدبس باتجاه صيدا …
ينطلق الرفاق من البرجين ، شحيم ، مزبود ، كترمايا ، سبلين ، جدرا فوادي الزينة ، ويأخذ كل مركزه حوالي الخامسة من صباح 13 آذار 1983 .
السادسة إلا ربعاً وبينما هم ينتظرون الآليات الثلاث ( سيارة جيب وكميون مليء بالجنود وملالة قادمة من برجا ) إذ بقافلة أخرى أكبر بكثير قادمة من الدامور ، إذن فالمعركة لا بد منها …
اقتربت الآليات : كميونان (شاحنات عسكرية ) – 3 سيارات جيب وملالتان ، ووصلت إلى مجال مرمى النار ، وتنطلق الـ ” ب سفن ” : ” إصابة مباشرة ” وتلتها القنابل المضادة للدروع فينقلب الكميون (الشاحنة) غرباً إلى جهة البحر ويحترق بمن فيه … وتزغرد الكلاشنات الست بين رشق وطلق .
وتأتي القذيفة الثانية ، تخطىء قليلاً وتدور معركة حقيقية غير متكافئة بين عشرات الجنود الإسرائيليين .. وستة من أبطال المقاومة . ويصاب أحد الرفاق إصابة بالغة ، ورفيق آخر يصاب في ساقه .
استطاع الرفاق سحب الرفيق الثاني ، أما الأول فلم يتمكنوا من سحبه لخطورة إصابته وانهماكهم بالتعامل بالنار مع العدو الذي بدأ يتلقى التعزيزات .
ثلث ساعة وتنتهي المعركة ، وتبدأ عملية الإنسحاب ، يجبر أحد الرفاق سيارة مدنية على التوقف ويأخذها ، بعد أن اْصيب خزان وقود ” المرسيدس ” ، ينطلق الخمسة إلى مفرق وادي الزينة – شحيم ، هناك تصاب السيارة بعطل ، فيغادرونها وينطلقون بسيارة ثالثة باتجاه كترمايا ، مزبود فعانوت حيث يتفرقون بعد تأمين نقل الرفيق الجريح إلى بيروت للعلاج .
حوالي السابعة إلا ربعاً تصل نجمة ” داوود الحمراء ” ملطخة بالدم ، تأخذ أول نقلة ، تليها زميلة لها بنقلة أخرى ثم يتدخل الطيران المروحي بنجمته الحمراء الداوودية .
شهود عيان وبينهم راعي الماعز الذي كان بالقرب من مكان المعركة أقسم أنهم كانوا ” مشلقحين ” كالخراف أيام الأضحى وعددهم حوالي العشرين ، عامل الكهرباء الذي كان ينتظر في الشارع ” سرفيساً ” إلى صيدا صرخ من الهلع وعاد إلى المعمل الحراري في زاروت وهو يولول : ” قلبُ … ماتوا … قلبُ ماتوا ماتوا .. ” أي انقلبت الشاحنة ومات الجنود .
أما الرفيق الجريح ، فقد تقدم منه ضابط إسرائيلي ، وهو في حالة رعب ظاهر وسأله :
– اسمك.. ؟
– قاسم .
– من أين أنت ؟ – كنت أشتري ” المناقيش من الفرن “.
– أين تريد أن تعالج في صيدا أم في بيروت ؟!
– لا ، في بيروت …
– ويأتي الصليب الأحمر اللبناني وينقله إلى بيروت ، وعلى الحواجز الإسرائيلية ، تظاهر قاسم بأنه فارق الحياة تسهيلاً لتمريره .
– ظن الإسرائيليون أن قاسم أصيب خطأ ، ولكنه عندما وصل إلى المستشفى في بيروت ، وبعد تضميد جراحه فتح عينيه وسأل الأقارب والأصدقاء : أين الرفاق ؟ قالوا : هس … كلهم بخير” .
– سرت حمى الهستيريا في صفوف مخابرات العدو ، فبدأوا في الليلة ذاتها 13 آذار حملة مداهمات شملت المنطقة كلها على طول الساحل من وادي الزينة حتى سبلين والوردانية ، كترمايا ، مزبود ، شحيم ، داريا ، عانوت والبرجين وهم يلاحقون خط سير رجال العملية ، ولم يكتشفوا إلا متأخرين ، في اليوم التالي ، أن لبرجا والبرجين حصة بالعملية .
وهنا ، تحركت آليات جيش الدفاع إلى برجا ، أكثر من خمسين آلية ومئات الجنود يزحفون ، يطوقون ، يمشطون ، يشتمون .
داهموا المدارس التكميلية والإبتدائية ، خلعوا الأبواب . ركّعوا الأساتذة ، زربوا التلاميذ في المراحيض ، كسروا الطاولات ، وأثاروا جواً من الرعب ما زالت البلدة تتحدث عنه حتى الآن .. كل ذلك بحثاً عن منظم العملية وأْبطالها . يريدون كمال ورفاقه ، يسألون الأساتذة وينهالون بأعقاب البنادق على كل طفل أو امرأة وشيخ ويعتقلون العشرات .
قبل قدومهم كان ” أبو زياد ” قد علم بأمر تحركهم (فهم مراقبون) ، مشى بهدوء الواثق من المدرسة إلى ” وادي قصب ” ومن هناك نط صوب ” عين الجديدة ” قرب بعاصير ، يرافقه اثنان من الشباب ، ثم الى ” عين المرانة ” قرب الدبية ومنها إلى الجبال فالوديان حتى وصل بيروت .
انتقاماً لعجزهم اعتقل الإسرائيليون نازك زوجة كمال واقتادوها إلى سراي صيدا مركز قيادة ” حضارتهم ” ، وذلك بهدف الضغط على الأهل والأقارب وسكان البلدة لتسليم كمال مقابل اطلاق سراح زوجته نازك ، خاصة وأنهم يدركون أن زياد ما زال رضيعاً … (فشلت الخطة) .
ثم دسوا عملاءهم لإقناع الأهل والصدقاء ، والرفاق بضرورة تسليم كمال للتحقيق معه ” فقط ” ، على أن يطلق سراحه بعد التحقيق ” مباشرة ” … ولكن أحداً لم يقع في شراك العملاء .
تظاهرت البلدة ، أقفلت ، أضربت ، عادت للتظاهر : نساءً وأطفالاً وشيوخاً … (الشباب مطيشرون) . يذهب وفد إلى صيدا يضم المخاتير والمعلمين والطلاب والتجار ووجهاء البلدة ، مطالباً بإطلاق سراح نازك .
نازك تعلن الإضراب عن الطعام والكلام في السراي فيرضخ الإسرائيليون ، وخاصة بعد أن علموا أن نازك حامل .
وفي 18 آذار بعد مضي خمسة أيام على العملية تعلم البلدة أن نازك أصبحت حرة ، وأنها ستصل البلدة في نفس اليوم .
زحفت برجا سيراً على الأقدام ، إلى الجية مسافة ثلاثة كيلو مترات ، لملاقاة نازك رغم وجود الإسرائيليين بكثافة على الطريق . وصلت نازك … إلى الساحة العامة ” ساحة العين ” يومها ارتفع سعر الأرز في برجا … يومها اختفت الورود من البساتين والحقول وسارت التظاهرة على طريق “عين الصغير ” باتجاه ” وادي قصب ” ، والهتافات تعلو والزغاريد :
بالروح بالدم نفديك يا كمال … بالروح بالدم لبيك يا لبنان .
مثل هذه الجماهير عرفتها البلدة في مناسبات مشابهة ، عندما كانت تستقبل كمال جنبلاط ، وعندما ودعت جمال عبد الناصر .
كأن روح القائدين الشهيدين تجسدت في كل رجل وامرأة .
كأن الهتافات جاءت تؤكد تأييد نتائج عملية ” وادي الزينة ” هتفت الناس ضد الإحتلال هتفت الجماهير للعملية الجريئة وللمقاومة البطلة .
اسرائيل اعترفت يوم 13 أيار 1983 أنها فقدت في هذه العملية 6 قتلى و7 جرحى . ولكن الراعي يقول إنه عدّ أكثر من 17 ” مشلقحين ” كالخراف في عيد الأضحى .
5eir lkalam ma kala wa dal likoli zama rijal w barja mahd lil abtal
نعم .. “برجا تتحدى واشنطن ” .برجا تحدت واشنطن حتى في عقر دارها وانتصرت عليها. لكن الزمان لم يحن بعد للحديث وحتى ياتي زمان الكلام المباح أقول: ردي سلاحك يابرجاء .. ردينا.
تحية لبرجا و لابو زياد وجلال وستالين ولشهداء برجا وجرحاها وأسراها. وعلينا أن لا ننسى مرشد آل شبو.
نجيب الغوش البرجاوي
بسم الله
من برجا المقاومة الى غزة المحاصرة سنظل على الطريق حتى تحرير الاقصى الشريف بإذن الله وسيكون لبرجا بصمات وبلادنا من بلاد الشام التي اخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم فيها ناس مجاهدون الى يوم القيامة
أبو زياد والرجال قليل…
عرفته مديرا” في مدرستي، مدرسة البيارد الرسمية للصبيان، كان ليس كباقي الأساتذة ، كان صديقا” للتلاميذ، لا تفارق الأبتسامه وجهه، والحكمة يمزجها بالنكتة فتصل لنا الفكرة وتفهم العبرة وترسخ في الذهون..رفع المعنويات هو عقابه للتلاميذ الذين هم دون المستوى، وزائد علامة لمن يشارك في الدرس..
فلما كبرت وسمعت عن بطولاته وتضحياته، ليس في وجه العدو الإسرائيلي فحسب بل في وجه العملاء الذين كانوا يعرقلون عملياته ومقاومته، تعرّفت على أبو زياد القائد المناضل البطل الشجاع وكم اتمنى ان يكون في برجا اليوم مقاومين سياسيين على الأقل يطالبون بحقوقها…
ستذكرك أجيال برجا حتى يوم القيامة أيها المقاوم الدكتور، فيكفينا فخرا” أننا برجاوين لأنك من بلدة برجا…
سوف تبقى هذه العملية البطولية صفحة ناصعة في سجل إقليم الخروب وبرجا خصوصاً عسى أن يستلهم منها الجيل الجديد درسا في المسؤولية والعمل الطوعي في سبيل الشأن العام والقضايا الوطنية الكبرى. تحية إلى كل من ساهم في العمل على إحياء هذه الروح المقاومة لدى الشباب. وتحية إلى موقع بلدة برجا والقيمين عليه.
برجا تتحدى واشنطن وسوف تظل العبارة تكتب حتى اليوم وانا لا انساها فقد كتبتها على سيارتي واليوم اكتبها على الدراجة انها عبارة البطولة والعزة واتمنى على جميع الا مبالين والستهزئين من تلك العبارة ان يعلموا تلك البطولات
هل يمكن معرفة أسماء كل الذين شاركوا في هذه العملية ؟
….يا آل إسرائيل.. لا يأخذكم الغرور
عقارب الساعات إن توقفت، لا بد أن تدور..
إن اغتصاب الأرض لا يخيفنا
فالريش قد يسقط عن أجنحة النسور
والعطش الطويل لا يخيفنا
فالماء يبقى دائماً في باطن الصخور
هزمتم الجيوش.. إلا أنكم لم تهزموا الشعور
قطعتم الأشجار من رؤوسها.. وظلت الجذور
نحن الذين نرسم الخريطه
ونرسم السفوح والهضاب..
نحن الذين نبدأ المحاكمه
ونفرض الثواب والعقاب..
الله يطول بعمرك يا ابو زياد يا جار الزين
ما أجمل الشعارات
برجا تتحدى واشنطن واهلها اليها متهافتون
واذا سافروا اليها لا يرجعون
واذا دمرنا واشنطن من اين يشتري شبابها الأي فون ؟