موسم الحج في برجا .. نوبة وبيارق وأعلام
بدأت طلائع حجيج بيت الله الحرام البرجاويين تعود إلى برجا , بعد رحلة مفعمة بالذكر والدعاء ومشوبة بالقبول إن شاء الله .
وقد بلغ عدد الحجاج من برجا هذا الموسم قرابة 113 حاجاً وحاجة … تقبل الله من الجميع داعين لهم بالحج المبرور والذنب المغفور .
وهنا لمحة تاريخية من التراث البرجاوي عن كيفية استقبال الحجيج في أيامنا الغابرة :
كتب الأستاذ أحمد سليم عزام والشيخ جمال بشاشة : كلما أقبلت أشهر الحج المعلومات ، بل كلما طلع هلال ذي الحجة خفقت القلوب خفقة الشوق واللوعة ، واتجهت الأنظار إلى بيت الله الحرام ، واستعد المسلمون لأداء ركن عظيم من أركان الدين الحنيف ، ليشهدوا منافع لهم ، ويجتمعوا في صعيد واحد ، لذكر إله واحد ، وتلبية نداء مدبر الكون وخالق السماء والأرض . وفي هذا الموسم المبارك يفد المسلمون إلى عرفات ، ليقفوا به وقفة هي من أعظم مقاصد الحج . ولقد درج أهل برجاالشوف على تعاقب أجيالهم يستجيبون لهذا النداء قاصدين الديار المقدسة ، ينادون بألسنة رطبة بذكر الله ، وقلوب ملأتها الخشية والتقوى : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك .
وكان لأداء فريضة الحج في برجا صدى خاص وشأن هام ، فالحج مجمع الإسلام الأعظم ومحفل المسلمين الأكرم . لذا كان وداع الحجاج ومن ثم إستقبالهم عند وصولهم مكان حفاوة البرجاويين ومحط إهتمامهم ، حيث كان لهم تقاليد ومراسم يلجأون إليها ويأنسون بها تتقدمهم فرقة النوبة والبيارق والأعلام التي تستدعي الفرح والحبور .
النوبة هي مجموعة من الآلات الموسيقية منها الطبول والصنوج ، الكاسات والمزاهر والبازات والخليليات وغيرها ، إضافة إلى البيارق والأعلام الكبيرة بإسم الجلالة والآيات القرآنية .
وتستعمل النوبة في الإحتفالات الدينية ، كالإحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف ، وفي مناسبة وداع الحجاج وإستقبالهم بعد عودتهم كما تستعمل النوبة في المآتم وذكرى الثالث والأسبوع والأربعين كما كان شائعاً في ذلك الوقت ، وتوضع النوبة في الزاوية وفي حال عدم وجود زاوية ففي أحد بيوت أبناء الطريقة القادرية .
فرقة النوبة : يقوم بمهمة دق النوبة فرقة من أبناء الطريقة يكلف كلٌ منهم بالدق على آلة خاصة , وهؤلاء يشكلون فرقة النوبة أو الدقّيقة منهم : الشيخ عمر علي يحيى – المتني 1900-1976 وشقيقه أحمد علي يحيى – جليلة 1892-1949 ومصباح خليل البراج 1901-1950 ومحيى الدين مصطفى شبو 1910-1990 وأحمد حسن الشمعة 1892-1970 ومحمد علي ترو 1897-1958 وعلي محمد البقيلي 1917-1981 وسليم محمد لمع 1913-1998 ومحمد سعد الدين كجك 1913-1974 ومحمد حسين الغوش 1907-1997 ومحمد سليم دمج – نفوس 1908-1980 ومحمد سليم البراج 1921-1985 وعبد القادر سليم سعيفان – القاضي 1897-1986 وعلي أحمد دمج 1910-1987 وأحمد مرشد شبو 1910-1995 وعلي أحمد البراج 1914 – 2004 وسليم عبد الرحمن سعيفان (لبيبة) 1925 – 2005 وسليم حافظ الغوش ، وكان حملة الأعلام من الشباب الأقوياء ذوي القامات الطويلة . كانت النوبة تشارك في احتفال وداع الحجاج وفي استقبالهم .
كان الناس في الماضي يحتفلون بوداع الحجاج يوم سفرهم ، كما يحتفلون بإستقبالهم يوم عودتهم لما لهذه الفريضة من أهمية ، ولما يترتب عنها من عظيم المشقة التي يتحملها الحجاج في رحلتهم المحفوفة بالمخاطر . وكان عدد الحجاج آنذاك قليلاً وفي فترات متباعدة ، عرفنا منهم في القرن التاسع عشر الحاج يونس ملحم إدريس الذي حجّ سبع مرّات وهو جد يونس ملحم إدريس 1887-1950 زوجته فهيمة سليم يحيى 1892-1972 الداية المعروفة بفهّوم , والحاج أمين أبو خشفة والشيخ محمود عمر البربير والحاج علي يونس دمج الملقب بالطحش المتوفى أواخر العشرينيات والذي حجّ أكثر من مرة ، ومنهم الحاج سليم الزعرت مؤذن جامع برجا الكبير . ومنهم الحاج ابراهيم بشاشة الصيداوي الجد الأعلى للعائلة في برجاالشوف والمتوفى في أول العشرينيات .
وعام 1931 حجّ اثنان هما : الحاج محمد الزعرت والد الحاج علي الزعرت (عربية) المتوفى عام 1932 والحاج عبد الرحيم سعد جد الأستاذ محمد عبد الكريم سعد .
وعام 1936 وتحديداً يوم الثلاثاء 4 شباط سافر الحاج أمين درويش البراج 1882-1937 لأداء الفريضة ويقولون : كان سفره فرجة لا مثيل لها ، وفي الموسم نفسه سافر الحاج علي دمج 1871-1965 (الحاراتي) والد أبو فوزي .
وسنة 1947 أدى المناسك الحاج عمر سعيد الغوش 1907-1985 والد أم بسام أبو ريش ، وكان يوم إستقباله من أيام برجا المشهودة .
أما الحاجّات فأولاهن كما نعلم في القرن العشرين ندّا الحاج 1897-1963 زوجة مصطفى حسن الشمعة 1887-1964 ، وقد كانت قابلة مشهورة في برجا ، ومنهن حُسن عبد اللطيف سعد 1890-1975 زوجة عبد الغني سعد المتوفى عام 1951 ، ومنهن أمينة خليل الشمعة (السوداني) 1917-1963 وكان في الموسم معها عام 1381 هجري 1962 الحاج علي درويش دمج (المختار) وزوجته عريفة أحمد الخطيب 1897-1997 .
في صباح اليوم المحدد لسفر الحجاج ، يتجمع الناس في الساحة حيث تقف الباصات المعدّة انقل الحجاج . بعد قليل يأتي الحجاج يرافقهم الأهل والجيران وتأتي فرقة النوبة وحملة الأعلام وتقرع الطبول وترنّ الصنوج ، ويمتزج صوت الموسيقى بأصوات المنشدين وهم يرددون :
يا راحلين إلى منى بقيادي هيجتموا يوم الرحيل فؤادي
فإذا وصلتم سالمين فبلِّغوا مني السلام إلى النبي الهادي
ويصعد الحجاج إلى الباصات فتتحرك ببطء وتسير لتغادر البلدة ، ترافقها النوبة والمودعون حتى تصل إلى مفرق الجبانة (قرب بيت الددا) فتنطلق من هناك ، ويتوقف دقّ النوبة ويعود الجميع وهم يدعون للحجاج بالوصول والعودة سالمين .
وعلى هذا النحو ، بل بشكل أكثر إهتماماً يكون حفل الإستقبال أثناء العودة فما ان يشيع خبر قدوم الحجاج ، حتى يتقاطر الناس إلى ساحة العين متوجهين إلى المكان الذي تم فيه وداعهم ، (تحت الشير) تتقدم النوبة ، حتى إذا وصلت سيّارة الحجاج ، إلتفوا حولها ، وانزلوا الحجاج وراحوا يعانقونهم ويقبلونهم ويهنئونهم بزيارة بيت الله الحرام والعودة إلى ديارهم وأهلهم سالمين غانمين ، ثم يواكبونهم إلى منازلهم بالأناشيد والأهازيج ودقّ النوبة حتى يصلوا إلى منازلهم .
وما زلت أذكر هذا المشهد عام 1949 يوم عودة الحاج يوسف يونس معاد (شغل) 1897 – 1990 وملاقاته في محلة التعمير (كوع البطنة) وكيف رافقناه من هناك إلى منزله في العريض بحارة العين ، على دق النوبة والأناشيد الدينية ، ومشاركة أبو هاشم وهو شاعر شعبي من الجنوب كان يتردد إلى برجا ويغني في الأعراس والمناسبات المختلفة .
وقد حمله بعض الشبان على أكتافهم وهو يردد حداءً ما زلت أذكر مطلعه : يا حاجّ حجّه مباركة … بزيارتك بيت الحرام .
إنها مناسبة طيبة مباركة ، مناسبة فرح وإبتهاج يشترك فيها معظم أهالي البلدة ، فتقوي في نفوسهم الشعور بالألفة والمحبة وتشيع أجواء الإيمان والتقوى والعمل الصالح في ربوع البلدة وفي نفوس أهاليها .