البوسطة درويش ترو : أنا أرش طعومة !!
كتب الأستاذ جمال نور المعوش : هو درويش محمد ترو ، ينادونه بدرويش بدر نسبة إلى أمه بدر الحاج ابراهيم بشاشة ، أما لقبه فكان ( البوسطة ) مواليد برجا 1918 ، أشقاؤه بحسب الألقاب هم : العموري ، الباطة ، عنوز ، والبيك .
عرفته وأنا بعدُ صغيراً ، طويل القامة وأصلع ، عريض المنكبين ، جسم ممتلىء بالصحة والعافية ، لا تفارقه البسمة ، عمل بائعاً متجولاً للأقمشة في قرى قضاء الشوف .
لُقب بالبوسطة لأنه كان يستيقظ باكراً ويطوف القرى دباً على رجليه وبسرعة فائقة وهو يحمل بضاعته على ظهره ومن نوعين فقط : الخام والكتان الأبيض .
من برجا إلى بلدة الجاهلية كانت تأخذ معه ساعة من الوقت ، شخصية طريفة بسيطة . كان يلبس القميص القاكي والشروال الأزرق ، حديثه شيّق وممتع ويحفل بالنوادر والحكايا .
سألته مرة من أين تشتري بضاعتك ؟ فأجاب مسرعاً : من حلمي غصن فقط . ولماذا ؟ رد : لأنه يُتلفن – كان عنده جهاز تلفون وكان قليلاً في ذلك الوقت – ويستطيع شراء البضاعة وربطها بدقائق .
أما الباقون فهم نيام لا يصلحون إلا لعلك العودان حسب تعبيره . كان ربحه قليلاً وكان قانعاً ، فإذا قدّمت له واحدة فطوراً والأخرى غداء ، إكتفى وباعها البضاعة بالرأسمال ، لا يستطيع بائع آخر أن يستفتح من ورائه . كان يردد : أنا أرش طعومة ، والرِجّال بعدي يبيع . لقّب زوجته بالدولة لجبروتها وقوتها . قلت له مرة : ماذا ربحت في هذا اليوم ؟ قال : ثمن علبتين من الدخان للدولة أي لزوجته .
كان لا يتقن القراءة ولا الكتابة ، يدوّن ديونه على دفتر صغير وبلغة أشبه بالمسمارية ، لكل زبونة إشارة كتابية في الإسم والمبلغ . لم يُرزق أولاداً . توفي في العام 1984 م ، وهو في شحيم مهجّر ، من جرّاء سقوط قذيفة بقربه أثناء الحرب الفتنة في الجبل .
رحمة الله عليه ، كان يجمع بين العفوية والبساطة وطول الأناة ، وهو كغيره من الأباء والأجداد تحملوا القهر والتعب في سبيل تحصيل لقمة العيش ، وبرغم ذلك لم تفارقه النكتة طيلة حياته .