المصوِّر أحمد الحنجول… من مهاجر إلى نجم في عالم التصوير
فاز المصور البرجاوي أحمد الحنجول بالمركز الأول بين أفضل 100 مصوّر حول العالم، ضمن المسابقة التي نظمها الموقع الروسي للتصوير الفوتوغرافي.
شارك في المسابقة 117 ألف مصوّر بأربعمئة صورة من 173 بلداً حول العالم، وحكّمها 50 حكماً، وقد تمحورت الصور حول تصوير الإنسان كإنسان، ذكوراً وإناثاً، في مسابقة تعتبر من أقوى المسابقات العالمية للتصوير الفوتوغرافي.
وقد اعتبر الحنجول هذا الإنجاز واحداً من أهم المحطات في مسيرته بعالم التصوير.
كتب كمال أحمد دمج:
مُنذُ عهدٍ قديمٍ وُضِعَتْ “برجا” تحتَ عُنوانٍ عريضٍ وهو «الفن». هذِهِ البلدَةُ العريقَةُ المتمَيِّزَةُ بِأبنائها المتعطشينَ للفَنِّ بجميعِ فروعِهِ أَهدَتْ لُبنانَها والعالَمَ الخارِجِيَّ شاباً لِيُمَثِّلَها وَبِأبهى حُلَّةٍ بِما يَملُكُ مِنْ قُدْرَةٍ تُمَيِّزُهُ في عالَمِ التصويرِ. إنَّهُ الفنانُ المبدِعُ المصور البرجاوي “أحمد الحنجول”.
بِسَبَبِ ضيقِ الحالِ الذي يُرافِقُ أغلَبِيَّةً مِنْ أهلِ بلدتِنا برجا، وَبِكَونِهِ واحِداً مِمَّنْ يُمَثِّلونَ العاطِلينَ عَنِ العَمَلِ في لبنان، وبَعدَ مرورِهِ بمراحِلِ فشلٍ في حياتِهِ، إختارَ “الحنجول” طريقَ الهِجرَةِ لَرُبَّما تَكونُ فاتِحَةَ خَيرٍ عليهِ وَوَسيلَةً لِتحسينِ ظروفِ حياتِهِ بشكلٍ عام.
في العام ٢٠١٢ هاجَرَ “أحمد” إلى ألمانيا باحِثاً عَنْ عَمَلٍ يُؤَمِّنُ لَهُ مقوِماتِ العيشِ الكريمِ،غيرَ مُدرِكٍ لِما يَرسُمُهُ له القَدَرُ مِنْ نجومِيَّةٍ وَتَمَيُّزٍ، في مَجالٍ لَمْ يُعطِهِ يَوماً نِسبَةً وَلَو ضئيلةً مِنَ الإهتِمامِ. رَسَمَ القَدَرُ خِطَتَهُ على هَيئةِ “صدفة” كما وصفها “أحمد الحنجول” بالرغمِ مِنْ أنَّ لا وجودَ للصدفَةِ في حساباتِ القدَر وَذَلِكَ عبرَ استلامِ “أحمد” لِعَمَلٍ في معرضٍ للسياراتِ في ألمانيا وتحديداً في مدينَةِ “هامبورغ” مُعَوِّضاً ولو قليلاً عَمَّا كانَ محروماً مِنْهُ في لبنان، إلى أَنْ شاءَ اللّٰه وَقَدَّرَ أنْ يلتقي صديقاً لَهُ يريدُ شِراءَ كاميرا لِإبنِهِ وطَلَبَ مِنْه بِحكمِ صداقَتِهما أنْ يختارَها، وبَعدَ أنْ تَمَّتْ عَمَلِيَّةُ الشِّراءِ، لَمْ تلقَ الكاميرا إعجابَ الصديق فَطَلَبَ مِنْ “أحمد” أنْ يحتَفِظَ بها لِنَفسِهِ وكأنَّ القدَرَ يُدَبِّرُ لَهُ الطريقَ الصحيحَ مِنْ حيثُ لا يدري. وَقَدْ شَكَّلَ هذا الموقِفُ الحَجَرَ الأساس لمشروع “أحمد الحنجول المصور”.
احتضنَ “أحمد” آلةَ التصويرِ واستخدمَها بإلتقاطِ صُورٍ بسيطَة لِأشياءَ لَطيفَةٍ كمجموعَةٍ مِنَ الزهورِ مَثَلاً، أو بَعضِ الحيواناتِ الأليفَةِ وغيرها مِنَ الأشياء، الأمر الذي جَعَلَ هذا الشابَ يَتَعَلَّقُ بالتَصويرِ حَيثُ اتَضَحَتْ أمامَهُ قُدرَتُهُ على الإبداعِ، فأرادَ السَّعيَ وَراءَ هذا الفنِّ للوصولِ نحو الهدفِ المراد وكما قال: “أنا مِنَ النوع الذي يُحِبُّ التَمَيُّز”.
وبالفِعلِ أغلبِيَّةُ مَنْ رأوا إنتاجيَّةَ “أحمد” مِنَ الصُّوَرِ اعتقدوا أنَّهُ مُتَخَصِّص في هذا المجالِ على مستوى جامِعِيٍّ، إلاَّ أَنَّهُ قَدْ أَثبَتَ بِجَدارَةٍ أنَّ الإصرارَ والتحديَ يُوَلِّدانِ النجاحَ، إذْ أَنَّهُ حَقَقَ ذاتَهُ بِذاتِهِ عَبرَ مُمارَسِةِ التصويرِ مِراراً وتِكراراً واطِّلاعِهِ على قواعِدِ التصويرِ عَنْ طَريقِ الإنترنت، واجِداً لِنَفسِهِ أسلوباً خاصاً يُمَيِّزُهُ عَنْ غَيرِهِ.
وفي العامِ ٢٠١٤ ومِنْ مَدينَةِ “برلين” تحديداً حَقَقَ “أحمد الحنجول” نقلَةً نوعِيَّةً في مَجالِ التَصويرِ عموماً وفي تصويرِ الأشخاصِ والأولادِ خصوصاً، مُحَقِقاً بِذَلِكَ شُهرَةً واسِعَةً على صعيدَيْ ألمانيا ولبنان مِنْ خِلالِ صُوَرٍ مُمَيَّزَةٍ إلتَقَطها بِأحدَثِ آلاتِ التصويرِ والذي احتَلَّ بِمَوجِبِها المراكِزَ الأولى في العديدِ مِنْ مسابقاتِ التصويرِ، وَمِنْها:
اختيارُ لَقطَة “السنجاب” كَأفضَلِ صورَةٍ لِسنَةِ ٢٠١٧ مِنْ بَيْنِ ٤٥٠ صورةٍ في مجموعَةِ بوابَةِ المصورين، كما وأنَّ الصورَةَ نفسَها عُرِضَتْ في قطارِ برلين، ونالَتِ المركَزَ الأولَ في مَجموعَةِ التصويرِ الدُوَلِيِّ، فَضلاً عَنْ مشارَكَتِهِ في مسابَقَةِ مجموعَةِ المصورينَ العرب.
نالَ المركزَ الأولَ في مسابقةِ “أفضل صورَةٍ لعام ٢٠١٧” التي نَظَّمَتْها محلات “Foto meyer” المختصة بِبيعِ مستلزماتِ التصويرِ في برلين، وقد كانتْ جائِزَةُ المركزِ الأول كاميرا “Panasonic Lumix” مع عدسة.
نالَ المركز الأول في مسابقةِ “البورتريه” التي نَظَمَتها المنظمة العربية للتصوير.
وضع صور مِنْ تصوير “أحمد الحنجول” على صفحاتٍ رَسمِيَّةٍ لِمَواقعَ عالميةٍ للتصويرِ وأبرزها الموقع العالمي Fotocominity.fr
نالَ المركزَ الأولَ في مسابقةِ تصويرِ الأشخاصِ على صعيدِ الوطَنِ العَرَبِيِّ التي نَظَمَتْها مجموعَةُ “Arabpx”.
نالَ المركزَ الأولَ في مسابقَةِ المصورينَ المحترفينَ عام ٢٠١٨ التي نَظَّمَها موقعُ التصويرِ العالَمِيّ viewbug
وقَدْ أعطى “أحمد الحنجول” الأولَوِيَّةَ لِبلدَتِهِ برجا عَبرَ اقامَةِ أوَّلَ معرَضٍ لَهُ فيها وتحديداً في النادي الثقافي الإجتماعي وذَلِكَ تقديراً لأهلِها وللدعمِ المعنَوِيِّ الذي تلقاهُ مِنْهُم طيلَةَ الفَترَةِ التي قضاها في الغُربَةِ عَبرَ نَشرِ أعمالِهِ على وسائِلِ التواصُلِ الإجتماعِيِّ والإعجابِ بها وتشجيعِهِ دائماً على تطويرِ ذاتِهِ.
وعلى مدى يومَينِ اجتمَعَ أصدقاءُ “أحمد” والعديدُ مِنَ الشخصياتِ البرجاويَّةِ وإعلامِيينَ وَثَّقوا هذا المعرَضَ وأَجْمَعوا على فِكرَةِ أنَّ ما رأواهُ متمِّيز، ويَستَحِقُّ التقديرَ وتسليطَ الأضواءِ عليهِ.
وَهُوَ الآنَ بِصَدَدِ التحضيرِ لِمَعرَضِهِ الثاني في برلين، آملينَ مِنَ اللّٰه أنْ يَزيدَهُ إبداعاً وتَمَيُّزاً. وَهو يَطمَحُ بِأنْ يُنَظِّمَ مَعرضاً على مستوى عالمي يُظهِرُ قُدراتِهُ الإبداعِيَّةَ في التصويرِ.
وَمِنْ مَركَزِهِ كَمُصَوِّرٍ مُحتَرِفٍ يَعتَبِرُ “أحمد الحنجول” أنَّ في زَمَنِ «الأبيض والأسود» لا وُجودَ للحقيقَةِ وراءَ الصورَةِ المأخوذَةِ حَيثُ إنَّ لا تِبيانَ للألوانِ التي تراها العينُ المُجَرَّدَةُ وتَتَمَتَّعُ بِتَجانُسِها، صورَةُ «الأبيض والأسود» لا تُعطي القيمَةَ الحقيقيَّةَ للحَدَثِ أو اللَّحظةِ أو الموضوعِ المُراد إيصالُهُ للمُشاهِدِ وبالتالي لا قيمَةَ لها إلا في تَمثيلِها لِحَقَبَةٍ زَمَنِيَّةٍ قديمَةٍ.
أمَّا بالنِّسبَةِ لِ«صورَةِ اليوم»، الصورَةُ المُلَوَّنَةُ، لا بَلْ الصورَةُ الحقيقِيَّةُ بِألوانِ الطبيعَةِ وتفاصيلِها التي تَراها العينُ وتُحَلِّلُها على طبيعِتِها فَهي التي تُجَسِّدُ الواقِعَ كما هُوَ بِالرُّغمِ مِنْ خُضوعِها لِتعديلاتٍ تُضفي عَليها رَونَقاً وجمالِيَّةً عَبْرَ بَرامِجِ تَعديلِ الصُّوَرِ حيثُ اعتَبَرَها “أحمد” عوناً لِكُلِّ مُصَوِّرٍ بالإستنادِ إلى قَولِهِ:«إنَّ بَرامِجَ تعديلَ الصُّوَرِ تُعطي المُصَوِّرَ الأشياءَ التي يَفتَقِدُها في الطبيعَةِ وتُساعِدُهُ على التعديلِ بِشَكلٍ مَنطِقِيٍّ لا يفوقُ الواقع».
وَمِنْ وِجهَةِ نَظَرِهِ، يرى المُصَوِّر “أحمد الحنجول” أنَّ التصويرَ رسالَةٌ يَجِبُ إيصالُها للمُتَلَقّي بِأبهى حُلَّةٍ لِتُعَبِّرَ عَنْ فَنِّ قائم بِذاتِهِ، يُعتَبَرُ مِنْ أَهَمِّ الفنون مُنذُ قرنينِ مِنَ الزمَنْ تقريباً، لا بَلْ هو حاجَةٌ أساسِيَّةٌ في كُلِّ مُناسَبَةٍ، وَهو وَسيلَةٌ لِتَوثيقِ اللَّحظاتِ المُهِمَّةِ وبالتالي تَأريخُها وَحِفظُ مَعالِمِها على مَرِّ الزمان.
وقَدْ تَوَجَّهَ “أحمد” بنصيحَةٍ لِكُلِّ مُحِبٍّ للتصويرِ قائلاً: “لا تجعل غايَتَكَ مِنَ التصويرِ هي المال لأنَّ التصوير هو فنٌّ، والتصوير بدونِ فَنٍّ يأتي بصورَةٍ عادِيَّةٍ وبالتالي لا تجني المالَ ولا تُصبِحُ فناناً”.
وَمِنْ هُنا نرى أنَّ لا وجودَ لِكلِمَةِ “مستحيل” في قاموسِ الطَموحِ، المُثابرِ، الذي يَضَعُ هَدَفاً أمامَ عَينيهِ ويسعى لِلوصولِ إليهِ مهما بَلَغَ الثمَنُ، ومهما جارَ الزمَنُ، مُحَقِقاً ما لا يَخطُرُ على بالِ البَشَرِ.
نشرت المقابلة التي أجراها كمال أحمد دمج في العدد الثاني من “برجا الجريدة” في نيسان 2018.