العمل التطوعي في برجا بين الماضي والحاضر
د. كمال عبد الرحمن دمج:
العمل التّطوعي سلوك إجتماعي، يرافق الإنسان في العديد من المحطّات، فتارّة ينشط وتارّة أخرى ينكفئ، فهو حراك نوعي يكمل عمل السّلطات الرسمية حيناً، ويغطّي تقصيرها أحياناً أخرى، حتى بات وسيلة فعّالة تساعد المجتمعات على تخطّي الصّعاب، وتلبية الحاجات وعلى كلّ المستويات.
فها هي السواعد تتشابك من أجل شقّ الطرقات، وصب الطرق الفرعية بالباطون لتأمين التواصل بين أحياء البلدة. وها هي الأيادي البيضاء تجمع التّبرّعات من أجل فتح المستوصفات الشّعبيّة، التي تقدّم الخدمات الطبيّة والأدوية للمواطنين مجاناً.
وها هم المتعلّمون والمثقّفون يقيمون الدّورات، من أجل محو الأميّة، وتقوية طلّاب الشّهادات الرّسميّة، كلّ ذلك بهمّة عالية ودون أي مقابل.
هذا هو حال العديد من القرى والبلدات في الإقليم، ومنها في الطّليعة بلدتي برجا التي كانت مضرب مثل ونموذجاً حيّاً للعمل التطوعي فذاع صيتها في كلّ الأرجاء، حتى بات عمل أبنائها في هذا المجال رمزاً للتعاون والإلفة بعيداً عن الأنانية والمنفعة الخاصة. هذا السلوك حافظت عليه برجا لعقود خلت، فالحركة الثقافية التي غزتها، دفعت بشبابها لتبني الأفكار التقدمية والإشتراكية، وهذا ما ألهب حماسهم، فنزلوا إلى ساح العمل متطوّعين من أجل تحسين حال بلدتهم.
إنه العمل التطوّعي الذي ميّز برجا عن مثيلاتها من القرى منذ السّبعينات إلى زمن ليس ببعيد، وما قدمه أولادها على المستوى الوطني، وفي مجال مقاومة العدو الإسرائيلي، شكل محطة مضيئة في تاريخها على المستوى الوطني.
أمّا الأسئلة المطروحة اليوم هو: هل مازال العمل التّطوّعي على حاله في أيّامنا هذه؟ وما هي الأسباب التي أدّت إلى تراجعه؟
إن أي مواطن برجاوي من المواكبين للعمل التّطوّعي، لن يلاقي أية صعوبة في الرّد على هذا السّؤال، بل أنه سيردّ سريعاً.
إن العمل التطوّعي لم يعد على حاله، بل تراجع كثيراً. فالوضع تغيّر، إن على الصّعيد السياسي أو على الصعيد الإجتماعي، ولكننا ننوه ببعض الأعمال التطوعية التي مازالت بعض الجمعيات تقوم بها، ولو ببدل رمزي. لكن العمل التطوّعي بمعناه السابق لم يعد موجوداً، وهذا يعود إلى أسباب عديدة في رأسها:
1- توسّع البلدة من الناحية الجغرافية.
2- تسرب العديد من الكادرات والطّاقات إلى خارج البلدة ؟
3- عودة مؤسسات الدولة للقيام بواجباتها، بعد أن كانت غائبة وخاصة أثناء الحرب التي سميت زوراً أهلية.
4- عودة انتخاب البلديات، لما لها من دور مباشر في التّنمية على كلّ الصّعد.
5- صعوبة الوضع الإقتصادي للأفراد والأسر، مما يضيق الوقت المطلوب للعمل التطوّعي. لأن الانسان بات بحاجة إلى أكثر من عمل لكي يؤمن قوت عياله.
6- عدم إنصاف المجتمع للذين تطوّعوا لسنين من أجل خدمة بلدتهم، مما أدّى إلى إنكفاء العديد من العاملين في مجال التّطوع.
7- إنكفاء دور الأحزاب على المستوى الإجتماعي والإنمائي، والإنصراف إلى مزيد من الصراعات السياسية.
كلّ ما نتمنّاه في النهاية، ورغم الأسباب التي تبدو مقنعة للكثيرين بتراجع العمل التطوّعي، أن لا تموت النّخوة عند الأجيال الجديدة، وأن تبقى الهمّة متوفّرة من أجل مساعدة الأهالي، وفق توافق بين المصلحة العامّة والمصلحة الشّخصية، مستظلّين بالمثل القائل وخاصة في هذه الظروف الصّعبة:
أن تنير شمعة خير من أن تلعن الظّلام.
إنطلاقا من القناعة بالعمل التطوعي الهادف، لابد من التنويه بالعديد من المبادرات التي تظهر مجدداً.فها هي برجا تظهر بحلّة جديدة (برجا بالألوان) وخاصة في ساحة البلدة.
فتحيّة لكلّ السواعد التي مازالت تؤمن بالعمل التطوعي من أجل المصلحة العامّة، نشد على أياديهم متمنين لهم التوفيق والنجاح.