الإدمان من الكافيين إلى الهيرويين
كتب أ. عوني محمود الطحش:
التعلق بالمؤثرات والعوامل الخارجية للحصول على السعادة هو نوع من الإدمان. ويتضح هذا في مثال بسيط عند شاربي القهوة كل صباح، فإذا مضت ساعاتٌ ولم تُشربِ القهوةُ يشعر المرء بصداع في رأسه. ومَثلُ شرب القوة كمثل باقي أنواع المواد التي يعتاد عليه العقل، ولكن تختلف نسبة الإدمان والتحمّل ونتائجهما. فبينما يمكن للإنسان أن يصبح متحمّلاً للكافيين (caffeine tolerance) فإن ذلك لا يعطيه شعوراً قوياً بلزوم تناول المزيد. أما في حالة المواد المخدرة الأخرى فإن الأمر يختلف.
ربما من الساذج القول إن السكّر هو نوع من المواد التي تسبب الإدمان، إلا أن بعض الخبراء يعتبرونه كذلك بالفعل. لكن كثيراً من الناس لا يعرفون أن معظم طعامنا اليوم الذي يباع في المتاجر الكبرى مليء بالسكّر. وليست المشروبات الغازية بغريبة عنا، إذ تحتوي علبة المشروب الغازي المعدنية على حوالى 10 ملاعق صغيرة من السكر. أما طعام الأطفال الذي ربما لم يسمّ عبثاً “السكاكر” هو مصدر مقلق للسكر، إذ أن الأطفال عرضة بشكل أكبر عاجلاً أم آجلاً للإصابة بالأمراض الناتجة عن الإفراط في تناول الأطعمة بالمحشوة بالسكر، مثل السكّري، النسيان (الزهايمر)، السمنة، الإكتئاب، ضعف الذاكرة إلخ… إذا ما البديل؟ الفواكه، العسل، الإعتدال في تناول الطعام، ترك المشروبات الغازية وغيرها مما يحتوي على كميات غير طبيعية من السكريات، ممارسة الرياضة.
كنت مراهقاً حين كنت أشرب “الأركيلة” وكانت ولا تزال أمراً متساهلاً فيه في برجا وفي لبنان. القنوات التلفزيونية تتحمل مسؤولية عرض الإعلانات التي تشجع بكل الطرق على التدخين وشرب الكحول، وتتحمل الدولة مسؤولية غياب القوانين الرادعة.
هل سمعتم يوماً عن متجر طلب من مراهق هويته قبل أن يبيعه علبة سجائر؟ أعتقد أننا في برجا يجب أن نولي أهمية لهذه الأمور قبل أن نوجه أصابع الاتهام إلى المداخن المحيطة بضيعتنا، لكي لا نظهر بصورة المنافق الذي يخاف على صحته من معمل الكهرباء ثم يقضي ليله في شرب الأركيلة.
الكحول: تصنّف المشروبات الكحولية كموادَّ مسببة للإدمان، لذلك يتم فرض إجراءات صارمة على بيعها في كثير من البلدان الغربية، بعكس ما قد يظنه البعض. بعض البلدان تفرض ساعات معينة يمكن أن تُباع فيها المشروبات الكحولية لمن بلغوا السن القانوني (18 أو 20 أو 21 سنة).
وفي دراسة أجريت في بريطانيا سنة 2010 تم تصنيفُ المشروبات الكحولية كأخطر مادة على المجتمع. أخطر من الكوكايين والهيرويين. وقد يستغرب البعض من ذلك، لكن الدراسة تأخذ بعين الإعتبار بأن الكحول مادة مشرّعة قانوناً، فهي شائعة وتباع في المحلات، في حين أن المواد الأخرى غير قانونية. يتوفى أكثر من 88 ألفاً في الولايات المتحدة كل سنة نتيجة أمراض الكبد والأمراض المرتبطة بشرب الكحول والتسمّم. وهؤلاء ليسوا من المفرطين في
شرب الكحول.
يتشارك الكحول مع المواد الأخرى في أنه يتسبب بعوارض نفسية وعضوية مزعجة للشخص الذي يقلع عنه، وشعور بالحاجة إلى شرب المزيد مما يؤدي إلى الإكتئاب (كما يحدث عند مدمني المخدرات) بالإضافة إلى تغيرات سلبية في حياة الشخص وعلاقته مع أهله وعائلته وأصدقائه.
يعتبر الكحول أخطرَ من التدخين لأن تأثيره على المجتمع أكبر بكثير، إذ يتسبب بحوادث مرورية مميتة وجرائم قتل. وكونه مشرّعاً في القانون، فهذا يزيد من خطورته بنسبة كبيرة.
المخدرات: أشهرها الكوكايين والهيرويين بمختلف أشكاله و”الميث” والسالفيا والحشيش وغيرها. إن خطورة المخدرات ليست بمستوى شرب الكحول لأنها ممنوعة وليس من السهل الحصول عليها من أي مكان. لكن تأثيرها على المتعاطي أكبر بمراحل كثيرة مقارنة بالكحول والتدخين.
يختلف تأثير المخدرات من صنف لآخر، فالهيرويين مثلاً عالي الإدمان وتركه أصعب بكثير من الكوكايين. الهيرويين مستخرج من نبتة الأفيون ومشابه نسبياً من حيث التركيب والتأثير للأدوية المهدئة والمخدّرة للآلام، لذلك فإن متعاطي الهيرويين يشعر بالإرتخاء، في حين أن متعاطي الكوكايين يشعر بالنشاط. وبمأ أن قوة الإدمان على الهيرويين أقوى بمرات، ولأنه أرخص بكثير من الكوكايين، فهو أخطر على المدمن وعلى المجتمع.
مشكلة الإدمان تبدأ في معظم الأحيان بتراخٍ من الأهل وغياب التوعية في المدارس والمؤسسات المدنية وعند الأهل، وغياب التواصل بين الأهل وأبنائهم، وأصدقاء السوء.
إن بداية العلاج تبدأ في إقتناع المدمن بضرورة الإقلاع عن التعاطي، ثم بفصله عن البيئة المحيطة به. وإن لم يكن لديه نية في العلاج فالعقاب لن يكون الحل. السجن يمكن أن يقضي على حياة المدمن وقد يحوّله إلى إنسان أخطر على المجتمع. أما تاجر المخدرات فذلك يجب أن يُرمى في السجن ويعاقب! المدمن مريض، و المريض يدخل المستشفى لا السجن. لكن يجب أولا أن نقنعه بضرورة العلاج، دون توجيه اللوم والاتهامات المتكررة له. يحتاج التعامل مع المدمن صبراً كبيراً لأن المرء يتعامل مع إنسان يدمّر حياته وحياة من حوله نفسياً وماليّاً، لكنّ الأهل مجبرون على تقبّل ذلك والعضّ على أسنانهم إلى حين إقناع المدمن بضرورة العلاج بشتى الوسائل.
لكن كيف يعرف الأهل أن ولدهم مدمن؟ هناك علامات كثيرة منها: (أ) تقلبات حادة في المزاج (عدوانية في التعامل مع الأحباب) ويصاحب ذلك إفراط في شرب الكحول لكي يعوض المدمن عن تقلبات مزاجه. (ب) مشاكل مادية واستدانة مبالغ مالية من الناس بشكل مستمر. (ت) ضعف الحواس، مثل الشم ونزيف في الأنف وبرودة في التعامل مع الأحداث. (ث) تراجع حاد في الأداء في مكان العمل أو المدرسة.
يخضع المدمن للعلاج في مراكز العلاج والتأهيل الخاصة بالمدمنين على المخدرات.
تحتوي هذه المراكز عادة على قسم طبي أو ما يشبه المستوصف يتم من خلاله إخضاع المدمن لجلسة “تنظيف” الجسم من السموم (detox)، تستمر لأسبوع أو أكثر. التنظيف لا يعني الشفاء، بل هو مرحلة أولى ضرورية قبل بدء العلاج. يتطلب العلاج من المدمن أن يبقى في المركز لفترة يمكن أن تمتد لسنة أو سنتين، وهذا يعتمد على حالة المدمن ومدى قدرته على تحمّل العلاج. ولأن المدمن حدثت له تغيرات كثيرة في طريقة عمل دماغه، فإنه يُعطى أدوية تساعده على تخطي تلك المرحلة، لأن ترك المخدرات له مضاعفات جسدية وعقلية خطيرة على المدمن.
يحتاج المدمن إلى تشجيع مستمر ودعم من المقرّبين أثناء فترة علاجه.
هناك مراكز للتأهيل في لبنان وفي العديد من المناطق، وحبذا لو أَدخل شبابُ برجا في أجندتهم مطلبَ إنشاء مركز للتأهيل في منطقتنا يعمل فيه خبراءُ نفسيون واجتماعيون وأطباء. لاحقاً يستطيع المدمن بعد شفائه أن يعمل داخل المركز ويساعد المدمنين على التخلص مما مرّ فيه.
أخيراً، يوجد في مستشفى ضهر الباشق الحكومي المدعوم من وزارة الصحة مركز للعلاج. تكلفة العلاج حوالى 300 دولار. يمكن التواصل معهم عن طريق الرقمين التاليين: 04872144 و 03583403.
نشر في “برجا الجريدة” العدد الثاني نيسان 2018