برجا: ما لها وما عليها
كتب د. هيثم حسن الغوش:
برجا، لها ما يجمعها مع الكثير من المناطق والبلدات اللبنانيّة ولها ما يميزها. لها ما هو لها ، وعليها ما هو عليها. عبر هذه السطور سنلقي الضوء على مواطن القوّة ومكامن الضعف حثاً على استغلال ما هو إيجابي وتجنباً ومعالجة لما هو سلبي، سنكتفي في هذا المقال الأوّل بعرض موجز على أن يتبع بمقالات لاحقة تحليليّة تتناول كيفيّة إستغلال ما يطوّر وتجنب وحلّ ما يعيق.
مكامن القوّة:
الموقع الجغرافي:
تتمتع برجا بموقع جغرافي إستراتيجي، فهي على بعد ثلاثين دقيقة من العاصمة بيروت، خمس عشرة دقيقة من صيدا، خمس دقائق من شاطئ البحر وأربعين دقيقة من قمّة جبل الباروك، مما يجعلها مركز إستقطاب إقتصادي، عمرانيّاً وسياحيّاً وخصوصاً بعد إعادة الإعمار التي شهدها لبنان في التسعينيّات وتحسن شبكات المواصلات.
الإرث الماديّ:
تكونت برجا، منذ أن كانت، حول نقطتين محوريتين، العين ودار العبادة. فكانت أحياؤها الثلاثة الأولى المكونَة: حي الجامع، حي العين وحي البيدر، أي حول مصادر غذاء الجسد والرّوح. والشواهد على ذلك كثيرة وتتمثل بما تبقى من آثار طاعنة في القدم إلى ما يظهر للمتجول في هذه الأحياء من مبانٍ عمرها عمر الجامع الكبير حتى ظهور الباطون المسلّح البدائيّ في أربعينات القرن الماضي مروراً بأبنية اللبن، أعمدتها وقمراتها من جذوع الشجر.
الإرث المعنوي:
حول الإرث المادي تكوّن إرثٌ معنويٌّ تمثل بتاريخ حافل غني بالرجالات والمواقف على قدْر ما عصف بالمنطقة من أحداث وخصوصاً في الحقبات الحديثة وما نتج عن ذلك من فعل وردّات فعل من قبل البرجاويين، تتراوح بين الطرفة حتى ترقى إلى المواقف الوطنيّة وكرامة الإنسان.
الزراعة والإنتاج المحليّ:
حتى ماضٍ قريب كانت الأرض البرجاوية تدرُّ الخيرات فمواسم القمح والعدس والشعير وغيرها من الحبوب إلى الزيتون والتين والعنب واللوز مروراً بمختلف الفواكه والحمضيّات وصولاَ الى الخضار وغيرها من الأعشاب والنباتات البريّة، ما خوّل برجا حينها بملامسة الإكتفاء الذاتي.
هذا بالإضافة إلى الصناعات التي إتخذت من المنتج الزراعي موادَّ أوليّة انطلاقاَ من الصناعات الغذائيّة مروراً بصناعة الصابون، وصولاً إلى تربية دودة القزّ وإنتهاءً بإنتاج الحرير والحياكة التي وصلت أصداؤها إلى فرنسا.
الفنون، الثقافة والرياضة:
تجمع برجا من بين أبنائها كمّاً قلَّ مثيلُه من الفنانين من ملحنين، موسيقيين، مغنين وراقصين. أما الأدب والشعر فاللائحة تطول. ولا ننسىى الرسامين والحرفيين وغيرهم. وللرياضة موقع مهم.
الكفاءات العلميّة:
إن نسبة المتعلميين في برجا هي من أعلى النسب في لبنان وتشمل مختلف الإختصاصات علميّة كانت أم أدبيّة وتطال الهندسة والطب وغيرها من المجالات. وتتوزع الخبرات في القطاعين العام والخاص.
نمط العيش وحب الحياة:
إن للبرجاوي نمطَ عيش أكتسبه عبر الأجيال وصقلتة التربية وتميّز به عن غيره. فأنّى رحلت وأين حللت حتى في الزوايا النائية والأماكن الضائعة في الجبال والوديان تسمع عن البرجاوي، عن كرمه، عن ظرفه ومرحه، وتطالعك الجملة ذاتها: “البرجاوي محبٌ للحياة”.
هذا، على سبيل المثال لا الحصر ما تتمتع به برجا من نقاط قوّة.
أما المعوقات فهي كثيرة كذلك.
المعوقات:
الكثافة السكانيّة:
إن برجا (بالإضافة إلى شحيم) أكثر مناطق إقليم الخرّوب تعداداً للسكان ونظراً لضيق مساحتها وكثرة الوافدين إليها فإنها الأكثر كثافة مع ما يشكله هذا الوضع من مشاكل تكاد تكون مستعصية على كافة الصعد.
النقص في الإمكانات الماديّة:
إنّ مداخيل السلطة المحليّة هي أقل بكثير مما يتطلبه الوضع الحالي للنهوض.
نقص في البنى التحتيّة والفوقيّة:
نظراً لمعايير التنظيم المديني والمقاييس الدولية فإن برجا تعاني من نقص واضح في البنى التحتيّة آخذين بالإعتبار تعداد السكان الحالي وتطوره على المدى القريب والمتوسط. وما يصح على البنى التحتية يندرج على البنى الفوقية. فلا ملاعب رياضية تحترم المعايير الدولية ولا مسارح ومكتبات عامة، لا حدائق ولا منتزهات منظمة أو بريّة ولا تجمعات صناعيّة محصورة في مكان محدد… والجدول يطول.
التلوث:
تلوث الهواء، الماء، التربة والضجيج الناتج عن النشاطات العشوائيّة للمواطنين وبدرجة أكبر ما يحيط ببرجا من تجمعات صناعيّة وغير صناعيّة تشكل حزاماً مميتاً لبرجا والمحيط.
غياب الخطة الشاملة:
إن الخطة الشاملة للنهوض ببرجا لم تبصر النور بعد ولا الإندماج مع المحيط في خطة استراتيجيّة تعتمد على تمويل خارجي.
ندرة المسؤولية الشخصية عل مستوى الأفراد. وغيرها… وغيرها.
وأختم بما بدأت به، إن ما ورد هو عرض سريع ومختصر سيتبع لاحقا بمقالات تفصيليّة تتناول كل موضوع على حدة.
د. هيثم حسن الغوش رئيس قسم الهندسة المدنية.
كليّة التكنولوجيا- الجامعة اللبنانيّة
نشرت في برجا الجريدة بالعدد الأول كانون الثاني 2018