إقليم الخروب يُبعد يد الأحزاب: عائدون إلى «جلباب أبي»!
كتبت لينا فخر الدين : على امتداد أكثر من 167 كلم2 ترتسم صورة «لبنان الصّغير» في 37 قرية. معظم القوى السياسيّة تلعب على أرض إقليم الخروب وبلدات ساحل الشّوف، ومعها موازييك الطوائف الـ19 (بينهم العلمانيون).
يقف أحد المندوبين الثابتين على باب مركز الاقتراع في شحيم عند السابعة صباحاً. اللوائح مكدّسة بين يديه من دون أن يجد «زبائن» لها. فالماكينات الانتخابيّة قامت بواجباتها مساء السّبت، بعدما وصلت اللوائح المطبوعة إلى المنازل خشية «التلغيم».
تتّسم المعركة في مسقط رأس النائب محمد الحجّار بأنّها عائليّة بامتياز، بنكهة سياسيّة. فيها انفخت دفّ «المستقبل» الذي صار له في كلّ لائحة مرشحون، بينهم شقيقان من بيتٍ واحد (واحد في لائحة وآخر منفرد)!
أما «الجماعة الإسلامية»، فقد قررت أن «تحفظ رأسها» بالانسحاب تحت عنوان وجود مرشّحين لـ «سرايا المقاومة» يتردّد بين النّاخبين أنّهما هشام قداح وأنيس مراد، فيما يشير آخرون إلى أن واحداً منهما مقرّب من «رابطة الشغيلة» وليس من «السرايا» وأنّ التسمية جاءت من عائلتيهما وليس من أي حزب آخر.
ينفي مسؤول «الجماعة» في الإقليم عمر سراج أن يكون الانسحاب قد أعطى الضوء الأخضر لمناصريهم بالاقتراع للائحة المنافسة. ومع ذلك، يؤكّد بعض المناصرين لـ «الجماعة» أنّهم يحترمون قرار عائلاتهم وفي الوقت نفسه يرفضون وصول «مرشحي السرايا».
وما ينطبق على أكبر بلدة في الإقليم يسري على غالبيّة القرى والبلدات في المنطقة التي تخوض معارك عائليّة محتدمة.
هذا ما يجري في سبلين والرميلة ودلهون ومزبود والمغيريّة والنّاعمة ـ حارة النّاعمة وغيرها من القرى التي ارتفع فيها الإقبال على التّصويت، من دون أن تؤثر القنبلة غير المعدّة للتفجير التي عثر عليها في شحيم من نسبة الإقبال، تماماً كباقي الإشكالات المتفرّقة.
برجا.. «معركة النفايات» السياسيّة
يبدو جلياً أنّ أزمة النّفايات الأخيرة قد حرقت مراكب بعض القوى السياسيّة ولا سيّما «الاشتراكي»، ورفعت حظوظ آخرين.
هكذا، تحوّل نشأت حميّة إلى حالة عابرة للمناطق وارتفعت صوره على العديد من المباني في برجا، وإن كان لمسقط رأس النائب علاء الدين ترو خصوصيّته. هنا، الكل موجود. «المستقبل» و «الاشتراكي» و«الجماعة» و «الشيوعي» و «رابطة الشغيلة» وحتى بعض المحسوبين على السلفيين و «سرايا المقاومة». هذا طبيعي في بلدة كان يصنّف أهلها بأنّهم «هوائيون» ويسيرون مع الموجة: النّاصريّة، الشيوعيّة، الجنبلاطيّة، الإسلاميّة، ثمّ ما لبث «المستقبل» أن غرف من الصّحن قبل أن تتضعضع صفوفه في السنوات الأخيرة.
يعتقد بعض القوى أنّ مَن يمتلك قرار ثاني أكبر بلدة في الإقليم، يستطيع التحرّك بأريحيّة أكبر داخل كلّ الإقليم. ولذلك، كثرت أعداد المرشحين في اللوائح الثلاث المتنافسة ببرجا. انتشرت صور المرشحين بكثافة، حتى ان إحداها غطّت لافتة تدلّ على البلدة.
زحمة ناس وشائعات في ساحة البلدة. المركز الجديد لمبنى «الجماعة» دشنته الماكينة الانتخابيّة للائحة «برجا تجمعنا» وهو ما يزال قيد الإنشاء. خليّة نحل تعمل في مركز «الاشتراكي». السيّارات تجوب البلدة مع مكبّرات صّوت. لوائح الشّطب واللوائح المطبوعة مكدّسة في مدرسةٍ تابعة لـ «الشيوعي».
يشي الجوّ التنافسي على أرض برجا أنّ لـ «لائحة برجا تجمعنا» الأرجحيّة، بعد أن أمسكت «الجماعة» بالقرار. عمليّاً، شعر «إخوان لبنان» أن قوّتهم التجييريّة التي تتعدّى الـ3000 صوت تستطيع أن تكسب بالتّحالف مع العائلات وحميّة الذي سيكون رئيساً لثلاث سنوات، وتسمي هي رئيساً محسوباً عليها لثلاث سنوات أخرى لاحقاً بعد أن تقصّدت عدم الإعلان عنه حالياً خشية تشطيب اسمه.
وبذلك، تحرّرت «الجماعة» من «قراءة الفاتحة» التي تليت بعد «اتفاق بيروت» مع «الاشتراكي» و«المستقبل» على صيغة سنتين لكلّ طرف، ولم يصل إلى وادي الزينة، حيث اعترضت قواعد «الجماعة» في برجا وأكّدت أنّها مستعدّة لخوض المعركة ضدّ الجميع ولا سيما «الاشتراكي».
وحده تيّار «المستقبل» قرّر اعتماد قاعدة خصمه نجيب ميقاتي بالنأي بنفسه عن المعركة. حاول أن يقود تسويةً من دون أن يفلح في ذلك في أي من القرى، ومنها برجا التي ترك فيها الخيار لمناصريه.
في الأروقة يوحي البعض أنّ «المستقبل» عاتبٌ على نشأت حميّة، ومع ذلك يمسك مناصروه بلوائح «برجا تجمعنا» فيما صبّ بعضهم لمصلحة لائحة «الاشتراكي» برئاسة حسن سعد الذي عمل لفترة في إحدى مؤسسات «المستقبل» وكان مقرّباً من التيار.
عمليات التشطيب وتشتت اللوائح أراحت «الشيوعي» الذي يخوض المعركة مع مستقلين وناشطين مدنيين في لائحة غير مكتملة. يوم ماكينة «الشيوعي» كان طويلاً، ومع ذلك تبدو نهايته مريحةً لهؤلاء معتمدين على تغيّر في «المزاج البرجاوي» قد يصبّ لمصلحتهم. يستمدّون قوّتهم من الحراك المدني والتحرّكات في برجا، بالإضافة إلى أكثر من الفي صوت جديد من الشباب.
كترمايا تجمع «الاشتراكي» و «الجماعة»
وإذا كانت «الجماعة» تقارع «الاشتراكي» في برجا، فإنّهما حليفان في لائحة واحدة مع العائلات في كترمايا برئاسة محمّد نجيب حسن.
في كترمايا، تبدو المعركة حامية بين ثلاث لوائح. جديد البلدة دخول السلفيين في الحياة السياسيّة للمرّة الأولى علناً بعد أن ترشّح الشيخ خالد ضاهر للانتخابات.
ما يجمع كترمايا وشحيم هو تشتت أصوات «المستقبل» بين اللائحة التي يرأسها رئيس البلديّة السّابق يحيى علاء الدّين ولائحة الضاهر، وحتى بعضهم لا ينفي أنّه شكّل لائحة بنفسه تضمّ مرشحين من اللوائح الثلاث، على قاعدة «هول عين وهول عين»، حسب «مستقبلية» تجزم بترك حرية الخيار للمناصرين.
في الجهة المقابلة، تتحضّر الماكينات الانتخابيّة للوائح الثلاث لخسارة واقعة حتماً. مراقبتهم لما يجري داخل أقلام الاقتراع يؤكّد أنّ عمليّات التشطيب «على مدّ عينك والنّظر»، وأنّ المجلس الجديد لن يكون من فريق واحد.
«المستقبل»: هنا وليس هنا!
يوحي المشهد في كترمايا وبرجا أنّ «المستقبل» انكفأ عن واحد من أهمّ «خزّاناته الشعبية»، هو الذي قاد أكثر من معركة كسبها في العام 2010.
تصل أصداء العتب والتململ الآتي من الجمهور إلى أذني مسؤول «المستقبل» في الإقليم الدّكتور محمّد كجك. ومع ذلك يشدّد الرّجل الذي يتابع من مكتبه في فريسين ما يدور على الأرض عبر الهاتف، على «أنّنا غائبون عن الوقائع اليوم (أمس)، ولكنّنا لسنا غائبين عن منطقتنا وحاولنا بلورة التفاهمات ثمّ تركنا الأمر للعائلات»، مؤكّداً «أنّنا ملتزمون بالقرار المركزي بألّا نخوض معارك انتخابيّة إلّا في المدن الكبرى».
بابتسامةٍ مطمئنة يقول كجك: «جمهور المستقبل بخير. لم يتراجع ولم يضعف»، مشيراً إلى المهمّات العديدة التي يقوم وسيقوم بها «التيّار» داخل الإقليم لشدّ العصب داخل منطقة يعلم أنّها لن تخرج عن ثوابت الحريري الذي ستطأ قدماه الإقليم قريباً، لافتاً الانتباه إلى أنّ «علاقتنا مع جنبلاط من الثوابت».
ولكنّ نظرة سريعة لأداء «الحريريين» في الإقليم التي يتابع تفاصيلها أحمد الحريري لحظة بلحظة يوحي بأنّ «الأزرق» قرّر أن يخوض المعركة بسيف غيره ومن دون أن تتلطّخ يداه. فلا هو خلق أزمة جديدة بابتعاد العائلات والمناصرين عنه ولا هو فتح حساباً مع «الاشتراكي» و «الجماعة».
في برجا مثلاً سيكون «المستقبل» رابحاً إن وصل حميّة أو سعد، باعتبارهما مقرّبين منه. هكذا يكون كسب بـ «أهدافٍ نظيفة» من دون جهد، ولو عتبت القواعد الشعبيّة.