جولة في برجا “الثائرة”…هكذا نرصد شاحنات جهاد العرب
ثارت برجا وتوحّد أبناؤها في وجد الظلم والحرمان التي تعاني منه هذه البلدة الجميلة. #أزمة_النفايات القديمة – الجديدة في لبنان كانت شرارة تحرّكات لم تهدأ، اختار فيها البرجاويّون “تحدّي الدولة التي لا تسأل عنّا”، بحسب ما قال العديد منهم، مع العلم أنهم ليسوا غافلين عن حقوقهم، ويطالبون بها منذ زمن طويل.
كان لـ”النهار” جولة في برجا حيث الجميع متمرّد على واقعه ويحاول تغييره، بغض النظر لأي جهة سياسية انتمى. وبعيداً عن الشعارات، اصطحبنا بعض شباب البلدة الى معمل “سبلين” للترابة الواقع على تخوم البلدة، كما عاينّا الكسارات والمكان الذي كانت الدولة تخطّط لطمر النفايات فيه.
برجا تتقاسمها الأحزاب… و”البرجاويّون” يتمرّدون
لا بدّ من وصف طرقات برجا الوعرة في أغلبها، باستثناء بعض الطرق ومنها الطريق المحاذية لمنزل احدى الفعاليات في البلدة.
البرجاويّون يتكلّمون عن واقع بلدتهم المزري، ويؤكّدون “ما رح ننتخبهم مرّا تانية. كلّنا شباب من الحزب الإشتراكي، الحزب الشيوعي، الجماعة الإسلامية، وغيرها نقف في وجه شاحنات جهاد العرب”.
كما شكّل أهالي البلدة لجنة طوارئ مؤلّفة من ممثلين عن أبرز الأحزاب في البلدة، إضافة إلى ممثلين عن البلدية، وبعض الجمعيات البيئية في المنطقة.
رصد الشاحنات وتوقيفها
وكما بات معلوماً، قطع شباب برجا الطرقات، منعاً لمرور شاحنات جهاد العرب المحمّلة بالنفايات. “استخدمناها لنقل الردميات من أجل قطع الطرقات كذلك، لكننا أعدناها إلى أصحابها، فنحن لا نقوم بعمليات استيلاء”، وفق ما يردد مجموعة من الشبان الذين التقيناهم قرب مقهى في ساحة البلدة. ويصرّ هؤلاء الشبان على “سلمية” تحركهم رافضين أي كلام مسيء إلى صورتهم ظهر على بعض الوسائل الإعلامية.
ونظّم الشباب نشاطهم، خصوصاً من خلال إنشاء مجموعة “من أجل برجا أفضل” على “واتساب”، هدفها رصد كل الأخبار الإعلامية التي ترِد حول النفايات المنقولة إلى برجا، إضافة إلى رصدهم الخاص للشاحنات. فـ”كلّ ما تمرق شاحنة منشكّ بأمرا منبعت لبعض وبيصير في أكثر من 200 شخص محاصرينا”.
يقول أحد سكّان المنطقة لـ”النهار”: “كان بدنا نحرق الشاحنات، ولكن هيدا الشي ما صار، بناء على طلب رئيس البلدية الذي سلّمناه مفاتيح الشاحنات”.
معمل سبلين للترابة… ومكان طمر النفايات
عند وصولنا إلى النقطة المطلّة على معمل “سبلين” للترابة في برجا، رصدنا غباراً أبيض منبعثاً من المكان بشكل هائل. وتظهر بالقرب من المعمل كسّارات مدمّرة، تابعة لشركة “سي سي سي”. أما أسفله، فحفرة هائلة، هي المكان “المقرّر أن توضع فيه النفايات في حال استطاعوا نقلها إلى برجا”.
ويسود القلق كثيرٌ من السكان تجاه خطورة المعمل على صحتهم، خصوصاً أن “أعمار معظم الوفيات في برجا في السنتين الماضيتين تتراوح ما بين 45 و50 سنة، ويكون سببها مرض السرطان، لا وفيات طبيعية في بلدتنا”، كما يردد كثير من السكّان.
ومن العبارات التي يرددها كل “برجاوي” رافض لطمر النفايات في بلدته: “ألا يكفينا الموت المبكر في بلدتنا، إضافة إلى التشوّهات الخلقيّة في الولادات الحديثة؟ ماذا يريدون من بلدتنا بعد؟ شوّهوها من أجل مصالحهم المادية”.
ورود للعالقين في السيارات
يوم الأحد الماضي كان متعبًا لآلاف الأشخاص الوافدين من الجنوب إلى بيروت، بسبب قطع اتوستراد الجية من قبل أهالي برجا. وفيما يبرّر البرجاويّون تحرّكهم بالقول إن الوسيلة الوحيدة للضغط على الدولة في معظم بلاد العالم هي شلّ البلد من خلال قطع الطّرق، فإنّهم في الوقت عينه اعتذر عضو من اللجنة من الأشخاص الذين علقوا لساعات عدّة على الطريق، قائلاً: “وزّعنا الورود على المواطنين العالقين في السيارات، واعتذرنا منهم لكن ليس لدينا وسيلة ضغط أخرى في وجه الدولة”.
القصة الحقيقية للاشتباكات… ولموته
ليل الأحد- الإثنين، قرّر أهالي برجا فتح الطرقات، لكنهم ووجِهوا من القوى الأمنية “بالعصي والقنابل المسيّلة للدموع والرصاص المطّاطي والحي”، بحسب قولهم. عندها، جرى اشتباك مع القوى الأمنية “التي رمينا عليها الحجارة”، وفق شاب عشريني شارك في المواجهة.
ووفق ابن البلدة فادي ظهيرة: “عند الساعة 5:30 فجراً، هاجمنا عناصر الدرك وأصيب سمير أكرم شبّو في كتفه (لديه تقرير طبّي يؤكّد إصابته جرّاء الضرب). كما نقل أكثر من 4 جرحى إلى المستشفيات للمعالجة. علماً ان المواجهة المذكورة أسفرت أيضاً عن جرح عدد من عناصر القوى الأمنية.
أما خضر البرّاج، فأكّد أن مشكلة أهالي البلدة ليست مع القوى الأمنية، بل مع الدولة، مضيفاً: “ننزل إلى الشارع لنحمي منطقتنا وكل المناطق اللبنانية من الاستغلال”. ووافقه الرأي الطالب المهني سليم، الذي حرص على نقل القصّة الحقيقية لمقتل صديقهم، الذي حرّفت بعض الوسائل الإعلامية المعلومات حول مقتله. وأضاف: “يعمل على جرّافة، وبعد مشاركته في الاعتصام، صعد إليها مع الشخص الذي يساعده فيها أثناء القيادة، فوقع وتوفّي على الفور”.
منتحمّل زبالة منطقتنا فقط… خطّة الفرز
يصرّ أهالي برجا أنهم قادرون على تحمّل “زبالة منطقتنا فقط”، وقد وضعنا خطّة لفرز النفايات من المنازل، ووفق عضو في “لجنة الطوارىء” التي شكلت لادارة الازمة، فانه بدءاً من “يوم الجمعة ستتم أولى الدورات للنساء لتدريبهنّ على فرز النفايات. وبعدها، ستتولّى كل امرأة تدريب النساء الأخريات في المنزل. فالمرأة شريكة أساسية ومقاومة مثلها مثل الرجل”، يقول البرجاويّون.
كما يحضّر البرجاويّون دورات لتدريب الأطفال على الثقافة البيئية وعلى فرز النفايات في المخيّمات الكشفية.
وأفادنا عبدالله رمضان ان “مشروعنا الجديد هو معمل لفرز النفايات في برجا، وقد يتم إنشاؤه من خلال تبرّعات من أهالي البلدة إن لم يتوفّر التمويل اللازم”.
خطوات تصعيديّة…
برجا… المنطقة المطلّة على البحر والساحل الجنوبي، توعّدت المسؤولين اللبنانيين بخطوات تصعيدية إن حاولوا مجدداً إدخال الشاحنات التابعة لجهاد العرب أو غيره خلسة.
ويؤكّد السكّان أنّ مشكلتهم ليست مع جهاد العرب شخصياً، بل مع الدولة اللبنانية التي “تتغاضى عن الفساد ولا تكترث لشعبها”. وخطوات البرجاويين التصعيدية ستكون بـ”حرق كل شاحنة تمر بالقرب من بلدتهم من أجل رمي نفايات بيروت وجبل لبنان في برجا”، كما يردد الغاضبون.
ولم يخلُ انزعاج السكان من نقل نفايات المناطق الأخرى الى برجا من دعوة أهالي بيروت للتضامن معهم لأن يوماً ما، قد تتعرّض صحّتهم للخطر كذلك بسبب إهمال الدولة.
وبعد الاعلان عن الحل الحكومي الجديد واستئناف شركة “سوكلين” عملها وانتشار المعلومات وتقاطعها عن الاماكن التي سترمى فيها، عاد الاستنفار الى أهالي برجا الذين بلغتهم معلومات عن إمكان وصول شاحنات محملة بالنفايات بمؤازرة قوى امنية، فما كان منهم الا ان شاركوا بنصب الخيّم في محاذاة كسارة “الكجك” الواقعة بين بلدتي الجيّة وبعاصير والمشرفة بوديانها على برجا، وهي من ضمن الاماكن المشتبه فيها لاحتضان نفايات العاصمة الباحثة عن مكان يأويها!
عن جريدة النهار 29 تموز 2015