انتفاضة برجا تحبط الحل المؤقت
«برجا تتحدى واشنطن»، العبارة التي كتبت على شاحنات المقاول جهاد العرب المصادرة عند الأوتوستراد الساحلي، شكلت دلالة بالغة الوضوح على أن التسوية التي أعلنها الرئيس تمام سلام لنقل نفايات بيروت الى إقليم الخروب قد دفنت في مهدها. وفي وقت لم يزل فيه هذا الملف يراوح في الحلول الترقيعية، لوّح النائب وليد جنبلاط بإمكانية إعادة فتح مطمر الناعمة لفترة قصيرة في حال فشل خيار المواقع المؤقتة وشرط نجاح المناقصات
«الاتصالات المكثفة» التي أجراها رئيس مجلس الوزراء تمام سلام بكل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط والرئيس سعد الحريري للتوصل إلى صيغة حل مرحلي فوري وموقت لمعضلة النفايات في بيروت وضاحيتها ومناطق في جبل لبنان، لم تنفع في رفع النفايات من هذه المناطق فوراً، ولم تنجح في الوصول الى المواقع المحددة من قبل وزارة البيئة.
ففي الوقت الذي لم تخرج فيه أي شاحنة من موقعي الكرنتينا والعمروسية الى أي موقع في جبل لبنان حتى مساء يوم أمس، عادت أكثر من ثلاثين شاحنة تابعة لشركة المقاول جهاد العرب أدراجها بعد أن منعها سكان منطقة إقليم الخروب من إكمال مسيرها الى موقع كسارة «CCC» في سبلين، حيث كانت تنوي تفريغ حمولاتها.
وعلمت «الأخبار» أن شركة سوكلين التي قامت برفع كمية كبيرة من النفايات من بيروت والضواحي بعد أن أفرغت جزءاً من مخزون مراكز المعالجة، أصدرت تعليمات إلى غرفة العمليات فيها بالتوقف عن الجمع في فترة بعض الظهر، بعد قطع الطريق الى مكب سبلين، لأن مراكز المعالجة امتلأت من جديد بالنفايات، في حين بقيت النفايات التي حمّلت الى شاحنات العرب متوقفة في مكانها.
منذ ساعات فجر يوم أمس تجمع شبان غاضبين عند مفارق عدة على الأوتوستراد الساحلي بين الجية وبرجا استعداداً لمنع أي شاحنة من المرور، وهذا ما حدث فعلاً عند الساعة التاسعة صباحاً حيث أمكن مشاهدة ثلاث شاحنات محمّلة بالنفايات المغلفة متوقفة في منتصف الطريق عند الأوتوستراد الساحلي وقد كتب عليها عبارة «لن يمر يا … العرب»، في إشارة بالغة الوضوح إلى غضب الاهالي من الخطوة التي كان يفترض أن تشكل مدخلاً مؤقتاً لإعادة انتظام إدارة النفايات في عدد من المناطق الخدماتية التابعة لمجموعة افيردا (سوكلين وسوكومي).
وعبّر عدد من المعتصمين الغاضبين عن نقمتهم على القرار السياسي بنقل النفايات الى الاقليم، موجهين الشتائم والعبارات النابية بحق رئيس الحكومة تمام سلام والرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط.
في تصريح إلى «الأخبار» قال جنبلاط إنه بناءً على مبادرة من الرئيس تمام سلام وافق على خطوة نقل النفايات الى الاقليم كحل مرحلي ومؤقت، طالباً أن تراعى الى أقصى حدّ عملية تخزين النفايات في موقع كسارة «CCC» بطريقة لا تؤدي الى تفاقم أزمة التلوث. ولفت جنبلاط الى أن هناك مشكلة سياسية في برجا وانقساماً بين مختلف مكوّناتها، وفي علاقة البلدة مع تيار المستقل، وبين التيار وبقية المكونات من الشيوعي الى الجماعة الاسلامية. وأردف ممازحاً: «يبدو أن رحلة خالد مشعل الى السعودية اقتصرت على العمرة ولم تتوصل الى صلحة تفتح أفقاً للحل».
وحول الخيارات المتاحة للخروج من الازمة الحالية، شدد جنبلاط على أنه لم يلمس حتى الساعة مسعى جدياً يمكن أن يؤدي الى نجاح مناقصة بيروت والضواحي، التي تحتاج الى مطمر خارج نطاقها، والى تقدم العارضين للمناقصة. ولم يستبعد جنبلاط أن يعاد طرح مسألة التمديد القصير جداً لمطمر الناعمة لفترة أشهر، لكنه ربط النقاش حول هذه المسألة الحساسة في حال فشل خيار الانتقال الى المواقع المؤقتة التي تقترحها وزارة البيئة، وبالتوصل الى تسوية في موضوع المناقصات، ودون ذلك فإن الطريق الى مطمر الناعمة ــ عين درافيل ستبقى مقفلة.
وحول مسألة خيار إنشاء حاجز بحري وردم الشاطئ في خلدة، أعلن جنبلاط أنه يتفهّم رفض العديد من المكونات السياسية لهذا الطرح، مشيراً الى أنه تلقى تقريراً من مصلحة الطيران المدني تفيد باستحالة إقامة منشأة للنفايات بالقرب من المطار، لأن ذلك يؤثر في سلامة الطيران بفعل تكاثر الطيور «الجامعة للنفايات» في أجواء المكب الملاصق لمدرج المطار من الجهة الغربية.
ميدانياً، ومن مفرق الجية الى مفرق برجا تجمع عشرات الشبان قاطعين الطريق، ما أدى الى زحمة سير خانقة وعلقت مئات السيارات في الزحام، وأبدى المواطنين تذمرهم من قطع الطريق أمامهم، معتبرين أنهم «غير مسؤولين» عن فشل الحكومة. في المقابل، حاول بعض الشبان، ممن قطعوا الطريق، التواصل مع العالقين في سياراتهم شارحين لهم وجهات نظرهم ومخاوفهم البيئية والصحية من خطة سلام.
وقال سائق شاحنة تابعة لـ«شركة العرب» لـ«الأخبار»: هجم عليّ أكثر من خمسين شاباً غاضباً وصادروا المفاتيح، وشتموا صاحب الشركة ومنعوني من إكمال طريقي. كذلك، أفرغ المعتصمون شاحنات محملة بالردميات والحجارة، كانوا قد استقدموها، وسط الاوتوستراد الساحلي في الجية على المسربين، مؤكدين استمرار الاعتصام حتى عودة الحكومة عن قرارها بنقل النفايات إلى منطقة إقليم الخروب.
وأكد رئيس بلدية الجية جورج قزي لـ»الأخبار»، أثناء مشاركته في قطع الطريق، أن الاتجاه هو لقطع الطريق الدولية حتى ساعات المساء، ثم ينتقل المعتصمون الى الطرقات الفرعية منعاً لدخول أي شاحنة الى الاقليم، مجدداً رفض بلديات المنطقة بشكل قاطع أي تسوية حول الموضوع. الرفض المطلق لدخول الشاحنات عبّر عنه أيضاً رئيس بلدية بعاصير أمين القعقور الذي عبّر عن غضبه من التسوية التي يحاولون تمريرها على حساب صحة أهل الاقليم الذين دفعوا منذ ربع قرن ضريبة تلوث معمل الجية الحراري ومعمل الاسمنت في سبلين واليوم يريدون تحميلهم تلوث النفايات.
وعقد اجتماع طارئ في وزارة الداخلية، بين وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق ورؤساء اتحاد بلديات إقليم الخروب، لبحث أزمة النفايات، في حضور وزيري البيئة محمد المشنوق والزراعة اكرم شهيب والنائب علاء الدين ترو، والأمين العام لتيار «المستقبل» احمد الحريري.
وقال وزير الداخلية: «كان اجتماعاً جدياً وضرورياً، ولو انه أتى متأخراً، مع رؤساء اتحاد بلديات اقليم الخروب. أكدت لهم باسم الحكومة انه لا ولن يحصل أي شيء في الاقليم بشأن المطامر أو المحارق أو أي امر له علاقة بالنفايات من دون موافقة اهل الاقليم او رضاهم، وهذا أمر محسوم ولا ينبغي لاحد ان يستغله في السياسة ويضعه على الطرقات في وجه الناس، لأن وضع هذا الأمر في وجه الناس يشكل ظلماً لهم لا يقبله أهل الاقليم ولا المظلومون ولا الحكومة».
وبعد الاجتماع اعلن رئيس بلدية شحيم محمد منصور، ان مسالة نقل النفايات الى الاقليم ستبحث في جلسات لاحقة مخصصة لنقاش هذا الموضوع. بدوره أكد رئيس بلدية برجا نشأت حمية ورئيس بلدية جدرا الأب جوزيف القزي، ان وزير الداخلية «تعهد بعدم نقل أي نفايات إلى الإقليم، ما دام الأهالي يرفضون هذا الأمر».
وأعلنا ان اتحاد البلديات سيعقد اجتماعاً اليوم لمتابعة التطورات.
وعلمت «الاخبار» ان المشنوق عرض ان تدفع الدولة للبلديات مبالغ مالية مقابل السماح بوصول النفايات الى سبلين.
وفي جبل لبنان، ورغم المسعى الذي أعلن عنه الرئيس سلام لنقل النفايات الى عقارات حدّدها رؤساء اتحادات البلديات، ضمن تسوية شارك فيها رئيس حزب الكتائب الشيخ سامي الجميل، علمت «الأخبار» أن هذه التسوية لم تبصر النور حتى مساء أمس. وأكد الناشط البيئي بيار أبي شاهين أن شاحنات في الظلام أفرغت نفايات من المنصورية والرابية على الاوتوستراد في نطاق بلدية كفريا، ما استدعى تدخل رئيس البلدية لنقلها الى مكب كفريا. وأكد أبي شاهين أن هذا العمل اللصوصي مرفوض وسنواجهه في حال تكرر من قبل أي بلدية
وفي صور، حذر رئيس اتحاد بلديات قضاء صور عبدالمحسن الحسيني من «تهريب شاحنات محملة بالنفايات آتية من بيروت الى مكب راس العين جنوب مدينة صور، في محاولة للتخلص من الازمة القائمة في بيروت وضواحيها على حساب المناطق». وهدّد «بمنع وقطع الطريق على هذه الشاحنات وحجزها».
وكانت شائعات انتشرت في النبطية تتحدث عن اقتراح لطمر كميات من النفايات في مزرعة بصفور التابعة عقارياً لبلدة أنصار. وفي اتصال «الأخبار» برئيس بلدية أنصار صلاح عاصي، نفى ما تردد، مشيراً إلى أن المزرعة ملكية خاصة تابعة للطبيب علي غندور الذي يستقبل شاحنات تفرغ سماداً عضوياً ناتجاً من إعادة تدوير النفايات لاستخدامه في الزراعة.
ومن زغرتا شدد رئيس «حركة الاستقلال» ميشال معوض على أن «كل بلدات قضاء زغرتا ــ الزاوية خط أحمر».
وتجمع شبان من بلدات عكارية عدة وسط ساحة حلبا الرئيسية، بشكل سلمي ومن دون ان يقطعوا الطريق، استعداداً لمنع نقل النفايات إلى عكار.
وفي البقاع (أسامة القادري) إثر تصريح لوزير البيئة، تحرك أهالي بلدة برالياس والبلدية ونفذوا اعتصاماً على الطريق الدولية، رافضين تصدير النفايات اليهم، تحت عنوان أن البقاع يكفيه ما يعانيه من تفاقم في تلوث نهر الليطاني وما يعانونه من نفاياتهم وسمومها جراء احتراقها بين الحين والحين.
عن صحيفة الأخبار 27 تموز 2015