مطلوب «مطمر علماني» لنفايات الطوائف!
بيروت وضواحيها تحت حصار النفايات لليوم الحادي عشر على التوالي، ولا حلول فعلية بعد، مع اخفاق الدولة حتى الآن في العثور على مطامر مرحلية، خارج العاصمة، بفعل تدحرج الممانعة الأهلية والشعبية من منطقة الى أخرى، وسط عجز القوى الأساسية عن ابتكار مخارج مقبولة، حتى ليل أمس، ما دفع البعض الى التساؤل عما إذا كان مطلوباً التفتيش عن مطمر علماني.. لنفايات الطوائف!
وفي اليوم الحادي عشر للأزمة لم يتم جمع سوى 1800 طن من النفايات المتراكمة في شوارع بيروت والضاحية من أصل ما يقارب 40000 طن، تهدد بمخاطر بيئية وصحية.. وايضا سياسية وأمنية.
وامام استمرار الأزمة، يبقى مصير الحكومة متأرجحاً، تبعا للقرار الذي سيتخذه الرئيس تمام سلام في حال استمرت حكومته عالقة بين فكي كماشة آلية العمل وأزمة النفايات، علما ان أحد الوزراء المواكبين للاتصالات قال لـ «السفير» إن عرسال لا تُسقط حكومة لكن من شأن النفايات ان تُسقط الحكومة والبلد إذا لم تُلَملَم سريعاً.
ولئن كانت اللجنة الوزارية الفرعية قد أوحت خلال اجتماعها أمس بمنحى إيجابي، إلا ان شوارع العاصمة والضواحي المزدحمة بآلاف الأطنان من النفايات كذّبتها سريعا، في وقت كانت عشرات الشاحنات المحمّلة بالقمامة تنتظر تحديد وجهة سيرها.
وامتدت امس الاعتراضات الشعبية من ساحة رياض الصلح وبعض شوارع العاصمة التي اعتصم فيها مناصرو تحرك «طلعت ريحتكم»، وصولا الى ضهر البيدر، مرورا بالكرنتينا التي كانت ليل أمس مسرحا لمواجهات بين القوى الامنية وعدد من المواطنين المعترضين على رمي النفايات في المنطقة.
وفي إطار الهروب الى الامام ومحاولة شراء الوقت، أرجأت اللجنة الوزارية التي اجتمعت في السرايا الكبيرة برئاسة تمام سلام حسم خياراتها الى اليوم، لاستكمال درس المواقع الجديدة المقترحة لطمر النفايات، بعدما واجهت مقترحات الأمس باعتماد نقاط في ضهر البيدر والمتن وكسروان اعتراضات سياسية وشعبية، خصوصا ان الوزير الياس بو صعب اكد انه لم يتم العثور في المتن وكسروان على أي مطمر صالح، من ضمن المواقع التي عرضتها وزارة البيئة.
وعُلم ان اللجنة تنتظر ردا من احدى الجهات السياسية على امكانية استخدام موقع كسارة في منطقة تقع في الاطراف، لطمر النفايات.
وأكد مصدر وزاري لـ «السفير» أن أي معالجة لأزمة النفايات لن تحصل، ما لم تكن مرفقة بشرطين: الاول، تغطية سياسية حقيقية، والثاني، مواكبة ميدانية من الجيش والقوى الأمنية، لانه لا يجوز الركون لمزاج بعض الاشخاص الذين لا يعجبهم هذا الخيار اوذاك، فإما ان تكون هناك دولة قادرة على تنفيذ قراراتها وإما لا تكون.
وانتقلت عدوى الاحتجاجات من اقليم الخروب الى ضهر البيدر(قضاء عاليه) حيث قطع أهالي عين دارة الطريق الدولية عند مفرق حمانا لبعض الوقت احتجاجا على محاولة نقل النفايات الى منطقتهم، قبل ان ينقلوا تحركهم الى الطريق الفرعية المؤدية الى موقع الكسارات، فيما تداعى رؤساء بلديات ومخاتير في اعالي المتن الشمالي المحيطين بكسارات ابو ميزان الى التحضير لقطع الطرق على مشروع نقل النفايات الى منطقتهم.
ولم تتوقف المفاوضات طيلة نهار امس لاختيار مواقع للمعالجة، فيما تراوحت الخيارات المتداول بها بين اختيار مقالع وكسارات في الجبال، او اختيار مواقع على الشاطئ (الخطة «ب»)، بعدما يتم وضع سنسول للحيلولة دون تسرب النفايات الى البحر.
ويلحظ هذا السيناريو الذي يتحمس بعض الوزراء لاعتماده، إذا لم تُقر المواقع المقترحة من وزارة البيئة، نقل النفايات الى «المنطقة المحروقة» على شاطئ الاوزاعي قرب «الكوستا برافا» حيث رميت ردميات حرب تموز ويصب الصرف الصحي للضاحية الجنوبية هناك، والى «المنطقة المحروقة» في الكرنتينا حيث يصب الصرف الصحي للمتن الشمالي وجزء من المتن الجنوبي وتُرمى مخلفات المسالخ.
لكن هذا الطرح يواجه اعتراضا من الرئيس نبيه بري والنائب طلال ارسلان وحزب الطاشناق، إضافة الى الرفض القاطع من الجمعيات البيئية التي ترفض الطمر في البر والردم في البحر، بسبب مخاطرهما البيئية والصحية، داعية الى اعتماد استراتيجية الفرز من المصدر.
ومع انبعاث روائح الصفقات المشبوهة من بين أكياس النفايات، أكد النائب وليد جنبلاط لـ «السفير» انه سحب يده من أي عمل استثماري يتعلق بالنفايات، مشيرا الى انه كان هناك احتمال بأن يدخل ولداه تيمور واصلان في شراكة مع رياض الاسعد، «لكن قبل قرابة ثلاثة أسابيع سحبت يدي كليا من هذه القضية بعدما لمست خطرها السياسي عليّ، وبالتالي لا علاقة لي حاليا بشركة الاسعد او بأي شركة خاصة، وانا لست شريكا في أي صفقات يحكى عنها».
وتعليقا على اعتراض أهالي عين دارة على طمر النفايات في كسارات ضهر البيدر، قال: إن المنطقة المقترحة هي ميتة ومستباحة بفعل الكسارات التي عبثت بها، وبالتالي فإن هذا الاعتراض ليس في محله، وأصحابه ليسوا على حق.
الكرّ والفرّ
وفي انتظار تكشّف القطب المخفية في أزمة النفايات، تروي أوساط سياسية مقرّبة من أحد الأقطاب الوسطيين، بعض وقائع «الكرّ والفرّ»، بدءا من صباح السبت الماضي حين اتصل وزير البيئة محمد المشنوق بالوزير أكرم شهيب وابلغه انه بصدد تقديم استقالته، وانه يستعد للاعلان عنها من السرايا.
كان شهيب والوزير وائل ابو فاعور في المختارة آنذاك، فسارعا الى ابلاغ جنبلاط بالامر، فيما كانت اتصالات تجري في الوقت ذاته من المختارة مع الوزير علي حسن خليل ومسؤول وحدة التنسيق والارتباط في «حزب الله» وفيق صفا لتدارك الموقف.
في هذه الاثناء، كان الرئيس سعد الحريري يتصل بجنبلاط الذي قال له: «شيخ سعد.. لقد تحملت الكثير في ما خص ملف النفايات نيابة عن كل لبنان على مدى 18سنة، من خلال مطمر الناعمة، ودفعت ثمنا لذلك في منطقتي.. الآن برمتْ وبرمتْ ثم عادت الازمة لتحط عندي.. انا لم أعد قادرا على تحمل أعباء هذا الملف..»
وامام ضغط الحريري لاقناع جنبلاط بالمضي مؤقتا بخيار سبلين، وافق رئيس «التقدمي» على مضض باعتبار انه يوجد مكب قديم في المنطقة.
لكن حسابات «حقلي» الحريري وجنبلاط لم تنطبق مع «بيدر» الواقع، إذ سرعان ما انتفض أهالي الاقليم على اختيار سبلين موقعا لرمي النفايات، وقطعوا طريق الجنوب.
شعر جنبلاط بأن مجموعة من الاعتبارات اختلطت على أوتوستراد الجنوب، وتلمّس نوعاً من تصفية حسابات بين «الجماعة الاسلامية» والحريري، مستغربا دور رئيس بلدية برجا الذي ساهم في التحرك الاحتجاجي، في حين انه محسوب على احمد الحريري.
سقط حل سبلين تحت ضغط الشارع، وبدأ البحث عن مخرج آخر.
وتفتقت «أعمال التنقيب» عن انتقاء اربعة مواقع حددتها وزارة البيئة، وتأتي في طليعتها كسارات ضهر البيدر التي وافق جنبلاط على اعتمادها كمكب للقسم الاكبر من نفايات الشوف وعاليه والضاحية وبيروت، إضافة الى مواقع في المتن وكسروان.
وخلال اجتماع اللجنة الوزارية التي وافقت أمس الاول على تحديد المواقع، تبلّغ سلام ان مواكب من الدراجات النارية ترمي النفايات قرب منزله في المصيطبة وتهتف ضده.
امتعض سلام، وقال للوزيرين علي حسن خليل وحسين الحاج حسن: أنا أعيش في منطقة المصيطبة المختلطة.. وإذا كان المطلوب أن أغادرها، فقد وصلتني الرسالة، ولا حاجة لكل هذه العراضات.
انزعج الحاج حسن بشدة من هذا التحرك في الشارع، واجرى اتصالات هاتفية مع قيادة «حزب الله» عاد بعدها لينقل الى سلام محبة السيد حسن نصرالله وتقديره له، مؤكدا ان الحزب يدعم الحكومة، ولا علاقة له بما حصل.
اقتنع سلام بتوضيحات خليل والحاج حسن، وقال لهما: في ما يتعلق بوضعي الشخصي، اعتبرا ان الامر بحكم المنتهي، فأنا لا يهمني المنصب ولا الاعتبار الشخصي.. ما يهمني اخراج لبنان من هذه الازمة.