أعمدة الجيّة
محزنٌ هو المرور الصباحي على ساحل الجية المغطى بدخان الأعمدة. محزنٌ أكثر من الخريف نفسه.
ربما، ستعود التنقيبات الأثرية إلى خراج البلدة وشاطئها. كانت قد انطلقت قبيل حربنا الأهلية للكشف عن نفائس مدينة بورفيريون التاريخية، فأظهرت معالم وأزقة ضيقة وجدران أبنية. قد تكشف عن أعمدة تحاكي أعمدة هليوبوليس.. أعمدة أكثر علواً من تيجان كنيسة البحر، التي لا تزال قيد الرمال.
لكن، إلى أن يأتي ذلك اليوم «يخلق الله ما لا تعلمون».. فقد احتلت مشهد الشاطئ، ببَركة الساسة، أعمدة أخرى تنفث الدخان على ظهر هيكل معدني غاضب، اسمه «أورهان باي». يبدو للوهلة الأولى وكأنه ينتقم من زرقة الصباح، ومما تبقى من هواء.
يقال إن الإغريق أطلقوا عليها اسم مدينة الأرجوان، لوفرة أصداف الموريكس على رمالها. ويقال إن الحوت لفظ النبي يونان على شاطئها. ويقال إن ملك أشور أسرحدون بنى مدينة كاراسرحدون للسيطرة على النواحي التي كانت تابعة لمملكة صيدون، فكانت الجية جزءاً منها. ويقال غير ذلك.
لكن قبل قرون من تنقيباتنا، زار البلدة دومينيكو ماغري المالطي، الذي دوّن ملاحظاته في «سرد مقتضب في رحلة إلى جبل لبنان»، فصدر في روما سنة 1655، وبعده بنحو قرنين أشار أرنيست رينان، في تقرير بعثته، إلى أن تلك التلة إلى جانب البحر تغطي آثار أبنية قديمة. فقد رأى غرفاً ظهرت فيها رسوم لحيوانات وطواويس ونعامات تحت أقواس مزينة وحولها حجارة مهملة.
لا يُنتظر من الأعمدة المعدنية سوى الدخان، ولا يُنتظر من الساسة سوى نحر الطبيعة.. لكن الجيّة تنتظر يوماً يُظهر جمالها الكامن. جمالها الذي يتناقص يوماً بعد يوماً.. فتنتفض علىكل ما يخنقها.
عن جريدة السفير 25 / 10 / 2014