كتب د إلياس عبد السّلام البرّاج :
لأسباب عديدة، يواجه الثبات على المبادئ والقيم الأخلاقية (التقليدية) ضغوطاً هائلة في عالم اليوم، لدرجة تزداد فيها الشكوك بإمكانية صمود أصحاب القيم والقناعات النبيلة، أو نجاحهم في أي إنجاز اجتماعي أو اقتصادي أو حتى مهني شخصي .
الأسباب التالية يمكن أن تفسّر ذلك :
1 – نحن نعيش في بيئة ينتعش فيها التنوع كما لم يسبق من قبل .
في الحياة الواقعية، حيث نرى في المشهد الواحد كل مستويات الرفاهية والاكتفاء والعوز والفقر، والتطرف والتدين والتحرر، وفي الحياة الافتراضية حيث نحتك كل لحظة بعالم زاخر بالتعدد وبعوالم لا متناهية من الباقات والمحتويات الترفيهية والثقافية، التي يصعب استيعابها بشموليتها من طرف الثابتين على المبادئ، مهما اعتقدوا أنها صحيحة.
2 – طفرة نمط الاستهلاك والرفاهية وقيم العولمة وصعوبة الفكاك منها، بما يفرض التأقلم والتكيّف مع العادات و«القيم» النفعية الجديدة، ومتطلباتها التكنولوجية والمادية بأي ثمن .
الأمر الذي أدى بدوره إلى اكتساح ثقافة «انتهاز» الفرص لمجتمعاتنا، بما في ذلك العلاقات الإنسانية والأسرية، وأضعف بالتالي سلم القيم والكثير من أصحاب المبادئ وهددّهم بالتحول إلى فصيلة تشعر بأنها شاذة أو غير مرغوب فيها، أو قابلة للانقراض، أو فاشلة في أحسن الأحوال.
3 – كثافة حضور الإعلام الذي يقدّم لنا نجوماً ورموزاً «ناجحين ومميزين ومتفوقين»، يتقنون فنون «الظهور» (والعلاقات العامة والتمثيل والماكياج)، بمن فيهم من تدور حولهم روائح الفساد والانحراف، مقابل إخفاء شبه كليّ لنماذج ناجحة من أصحاب المبادئ أو الثبات على المبادئ.
4 – تراجع مصداقية النظم الأيديولوجية، الدينية والسياسية، لحساب شعار مصلحة الدولة أو الجماعة أو الطائفة أولًا، وما يستتبع ذلك من سعي لامتلاك عناصر القوة والثروة والمشاريع والعلاقات التجارية المُجزية.
ومن أبرز تجليات ذلك التناقض الصارخ في مواقف هذه الأنظمة من الثورات والمجازر والتطورات الأخيرة في المنطقة، واستناداً إلى الشعارات نفسها غالباً.
في ضوء هذه الأسباب مجتمعة يصبح مشروعاً، السؤال : هل يمكن أن تستمر هذه النفعية المطلقة باجتياحها الواسع لتسود من دون منازع؟ وتختفي كلياً الفضائل والقيم النبيلة؟ ويتقبل الناس التعايش مع تداعيات هذه البيئة المحفزة للمصلحة الشخصية بأي ثمن، أي الحاضنة للنفاق والفساد، والطاردة لكل المشاعر الإنسانية العفوية؟
أم أن الذين لا يزالون يؤمنون- ولو من بعيد- بالمبادئ والأخلاق سيتنبهون لخطر تحولنا جميعاً إلى غابة بدون شرعة، فيستجمعون القوى بهدف تعديل موازينها على الأقل؟ أم أصبح مستحيلاً عليهم المبادرة في عصر سمته التطور المتواصل غير المنقطع، الذي لا يترك لأصحاب المبادئ مجالًا للتطور إلا إذا «طوروا مبادئهم»؟ .
إنه تساؤل شائك جداً .. بالطبع !
عن جريدة الإتحاد الإماراتية الإثنين 05 مايو 2014