وجوهٌ من بلدتي

ابن برجا الفنان محمد مرعي السعيدي … صوتٌ نادر

Untitledvvvvvvكتب الأستاذ الجامعي والإعلامي محمد كريّم مدير إذاعة صوت الوطن المقاصدية سابقاً : يا حلوة الدار  …..  أنت الحسن أنت الغنى ….. دار الحكي دار  …..  عن حبك وطال الغنى ….. بحمل جروحي  …..  وبرحل عن طريق البكي  …..  وبرجع لعندك  …..  ومالي عن هواكِ غنى ….. وينتهي الموال فيدوي التصفيق ، وتخرج الآه من القلوب قبل الحناجر ويتردد صداها في جنبات غابة الأرز صيف عام 1964 . هذا الموال من المسرحية الغنائية ” بياع الخواتم ” للأخوين رحباني غناه المطرب محمد مرعي فجاء صوته صافياً شجياً معبراً رناناً أطرب الجمع وانتزع التصفيق .

ومحمد مرعي ( السعيدي ) ابن بلدة برجا الشوفية ، والده مرعي مواليد برجا عام 1900 ، كان حائكاً وصياداً في حارة العين ، سكن قرب بيت لمع ، والدته فضيلة حوحو . ومحمد من المطربين الأصليين والموهوبين ، وهبه الله صوتاً مما يطلق عليه الموسيقيون نعبير ” صوت عريض ” أي أن مساحة الصوت عنده متسعة بحيث يستطيع أن يؤدي الطبقات العليا ( الجواب ) بالسهولة والسلاسة نفسها التي يؤدي بها الطبقات المنخفضة (القرار) وذلك بيسر ودون عناء .

بيد أن هذا التمكن في فنون الأداء لم يكن ليتحقق لمحمد مرعي لو لم يتفتح وعيه الموسيقي على الأصول الشرقية للغناء العربي ، فقد تتلمذ هو وجيله من المطربين البارزين ، على أساطين الغناء العربي ، في العصر الذهبي للأغنية العربية … من هذا المعين نهل محمد مرعي فنشأ مشبعاً بروح الأصالة متمكناً من فنون الغناء حتى عُرف عنه بأن أداءه لم يعرف النشاذ يوماً .

أجمع الموسيقيون من اصحاب الخبرة والرأي على القيمة الجمالية لصوت محمد مرعي وعلى مقدرته في فنون الغناء . فالموسيقار توفيق الباشا قال يوم كان رئيس دائرة الموسيقى في الإذاعة اللبنانية : ” في الموال البغدادي ، لم نكن نثق إلا بأداء واحد من اثنين ، صابر الصفح أو محمد مرعي “ ، وذلك أن الموال البغدادي يتطلب الصوت الجميل والأداء المتمكن من فنون الغناء والمعرفة الوافية بالمقامات الموسيقية حيث يستطيع المطرب التنقل بينها بمهارة ودون عناء .

أما نقيب الموسيقيين انطوان فرح فيصف صوت محمد مرعي بأنه من الأصوات النادرة . وكان الموسيقار رياض السنباطي الذي لحن لمرعي في فيلم ” أول غرام ” استعرضنا غنائياً واقصاً قال عن صوت محمد مرعي ” أنه من أجمل الأصوات التي سمعتها في حياتي ” .

حفلت حياة محمد مرعي بالنشاطات الفنية فكانت له تسجيلات عديدة في الإذاعة اللبنانية وفي إذاعة دمشق ، وغنى على المسارح والمنتديات وقام بجولات فنية بالعديد من الدول العربية ، حيث غنى مجموعة من الأغاني الناجحة لكبار الملحنين ، نذكر منها على سبيل المثال :  ” تسرح وتمرح ” للأخوين الرحباني و ” آه من كلام الناس ” للملحن السوري زكي محمد وهي من أغاني الطرب الأصيل ، وأغنية  ” وينك يا ليلى تشوف عينك شو جرى ليَّ ” من كلمات وألحان الفنان الرقيق سامي الصيداوي وهذه الأغنية يقول العارفون ، كانت السبب في انطلاقة محمد مرعي في دنيا الغناء .

تميّز محمد مرعي إضافة إلى صوته الشجي ، بخفة الظل في حياته الخاصة والحضور المحبب في أغانيه مما حدا بالأخوين رحباني لإختياره لأداء دور شيخ المينا في مسرحية ” أيام فخر الدين “ التي قدمت ضمن مهرجانات بعلبك الدولية عام 1966 ، وقد كتبا له لحناً تعبيرياً يتناسب مع قدراته الصوتية وظرفه ، ضمن مشهد يصور حياة المينا والبحارة العاملين فيها .

وقد استطاع محمد مرعي بصوته وامكاناته الغنائية المتعددة من ان يعبّر عن كل المشاعر والأحاسيس والإنفعالات اللازمة لتصوير شخصية شيخ المينا ( ريّس المينا ) ، قتنقل في هذه الحوارية الغنائية بين عواطف الحب والحنان والفخر والإعتزاز وغير ذلك مما تحفل به الحياة في مرفأ العاصمة وما تقتضيه أخلاقيات ريّس المينا من شجاعة ومرجلة وقيم وشيم وما تتطلبه شخصيته من عزم وحزم .

كل هذه المواقف وما تتطلبها من انفعالات عبّر عنها محمد مرعي بمهارة وحرفية ما يمكننا من تصنيفه في طليعة أبطال المسرح الغنائي . ( وشارك مع الرحابنة وفيروز في مسرحية هالة والملك عام 1967 على مسرح البيكاديلي ثم في مهرجان الأرز ودمشق بدور المستشار ، وغنى في فيلم الأخوين رحباني ” سفر برلك “ ) .

في السبعينيات وإثر عودته من رحلة فنية في البرازيل عرج في طريق عودته إلى لبنان على مدينة نيويورك على سبيل الترويح عن النفس ومنها انتقل إلى لوس أنجلوس ، ولم يلبث طويلاً حتى وافته المنية في الثمانينيات في الولايات المتحدة الأميركية فخسر الفن العربي بوفاته فناناً أصيلاً وصوتاً من الأصوات الشجية المعبّرة وشخصية مميزة بالأداء المتمكن والقادر .

مقالات ذات صلة

‫9 تعليقات

  1. الشكر الكبير لواضع المقالة الجميلة الرائعة
    الفنان الكبير هو يكون جدي العظيم

  2. شكراً لهذه الإضاءة. أنا أحب هذا المطرب كثيراً وعلى الأخص تسرح وتمرح, وأعتبرها أحلى مما غنى نصري شمس الدين

  3. الشكر الجزيل على هذه اللمحة البسيطة عن حياته كان مطربآ عظيمآ ومحبوبآ وهوية رائعة للبنان

  4. سافرت الى كندا سنة 67 كنت صغير السن وقد حملت معي وفي قلبي ذكريات حلوة عن الفنان الراحل محمد مرعي الذي عشت طفولتي على سماع اغانيه والتمتع برنة صوته الشجية , فذهبت الى لوس انجلوس وقابلته واخذت معه صورة تذكارية وشكرته على فنه الذي اسعدني . هذا الفنان العظيم لن يتكرر , لذلك يجب الحفاظ على تراثه الفني ونشره

  5. أتقدم بالشكر الجزيل من القيمين على هذا الموقع, وأريد ان اقول أن برجا قدمت للوطن العديد من الفنانين القديرين الذين أثروا ارشيف الاذاعة اللبنانية منهم على سبيل المثال الفنانين نجيب الخطيب ,محمد علي البرجاوي وضابط الايقاع الشهير محمد”بكري” البرجاوي وغيرهم. وانا امتلك مجموعة لا بأس بها من الاشرطة”كاسيت” لهؤلاء الفنانين وأريد المساعدة لتحميلها . أما لقائي مع الفنان محمد مرعي رحمه الله قبل رحيله اشعرني بالسعادة لأنني تمكنت من رؤيته والتحدث اليه وقررت يومها أن أزوره دائما نظرا لقرب لوس انجلوس من مقر اقامتي في غرب كندا ولكن مشيئة الله قضت ان أعيش على الذكرى ,رحمه الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى