كم أنتِ قاسية أيتها الحرب !
من سوق الحميدية إلى شوارع برجا .
أوقفته وطلبت منه أن يسمح لي بأخذ صورة له , لم يمانع قال : صوِّر .
نظرت إلى ملامح وجهه .
كان ترتسم عليها عبارات حاولت أن أقرأ منها ما لم يستطع البوح به , لكن آثر الصمت .
وماذا يقول عن ذكريات جميلة ؟ غابت وجوه وأصبحت غير الوجوه , والأماكن غير الأماكن …
أناس ينظرون إليه وكأنه من عالم آخر غير مألوف , هو وهذا الشيء الذي يحمله على ظهره , وهو عبارة عن إبريق كبير إذا صح التعبير .
التسمية بكل بساطة : هو بائع عرق السوس . حمل إبريقه وأدواته من حيّ الميدان من دمشق وجاء هارباً إلى لبنان حفاظاً على روحه وأرواح عائلته .
أنا شخصيا ًكنت أظن أن هذه المهنة المندثرة لم تعد موجودة إلا بالمسلسلات الشامية , ولكن هذا البائع كأنه عبر الحدود وخرق شاشة التلفاز وأتى يطلب الرزق في ضيعتي .
من الصعب على الأنسان أن يهجر الأهل والديار والأماكن التي يسكنها وتسكن في وجدانه وذكرياته .
يمر في شوارع لا يعرف بها أحداً , ولا أحد يعرفه !
كم أنت قاسية أيتها الحرب !
!لا تسلبينا أرواحنا فحسب , ولكن تسرقين كل ذكرياتنا , وتبعديننا عن أماكن وأشخاص لم نتصور في يوم من الأيام أن نبتعد عنهم