النازحون السّوريّون في بَرْد الأقبية ووُرش البناء
كتب أحمد منصور : تستمر فصول مسلسل معاناة العائلات السورية النازحة، نتيجة الظروف المأساوية للمساكن، والأماكن التي لجأوا إليها في منطقة إقليم الخروب وبقية المناطق اللبنانية، وما تسببه الأوضاع الصعبة التي يعيشونها جراء افتقارهم الى الحاجات المعيشية والمساعدات التي قد تخفف عنهم.
وترتفع الصرخات من عدم توافر الإمكانات المادية بحوزة النازحين، لقلة العمل والظروف المحيطة بهم، والنقص في المواد الأساسية وغياب الإغاثة الدولية لهم، واقتصارها على المؤسسات والجمعيات الأهلية المحلية والعربية.
وبدأ وضع النازحين إلى إقليم الخروب ينذر بعواقب وخيمة على المستوى الإنساني، حيث تشهد الأوضاع تفاقماً، مع البرد والصقيع، فدفع البعض الثمن من حياتهم، كما حصل لإحدى العائلات النازحة في برجا، التي توفي مولودها بعد ساعات من ولادته، بعدما امتنع أحد المستشفيات عن إدخاله وكان بحاجة ماسة الى حاضنة (غوفاز) لعدم توافر الأموال اللازمة لدى العائلة.
وتشهد منطقة الإقليم تدفقاً يومياً للنازحين، الذين بلغ عددهم نحو 5000 عائلة، حيث باتوا يشغلون معظم المنازل والشقق في معظم القرى والبلدات. ونتيجة لذلك أصبح متعذراً توافر المساكن، التي تغص بهم، فاضطر النازحون للجوء إلى أماكن غير سكنية لإيواء عائلاتهم.
فمنهم من قصد المدارس المقفلة، ومنهم من أقام في ورش سكنية غير منجزة. وقاموا بترميمها وبناء جدرانها من الأحجار والشوادر والنايلون والخشب، والبعض الآخر لجأ إلى الخيم والأقبية وكاراجات السيارات. ومنهم من قصد الأقارب والأصدقاء وأقام معهم في المنزل الواحد نفسه. وأدى ذلك إلى ارتفاع وتيرة المعاناة، إذ إن المنزل الواحد يقيم فيه عدد من العائلات.
وقد استنفرت بعض الجمعيات والمؤسسات الأهلية لتقديم الدعم والإغاثة قدر المستطاع، على الرغم من إمكاناتها المحدودة، والتي لا تساعدها على تأمين وسد جميع الحاجات والمتطلبات.
كما أنه لم يقف أبناء الإقليم مكتوفي الأيدي أمام إخوانهم النازحين، حيث عمد العديد من أبناء المنطقة إلى استضافة العديد من العائلات، وفتحوا لهم البيوت وأماكن أخرى للإقامة من دون أي مقابل. وقدموا لهم ما تيسر من المساعدات، وبينهم من وضع حقوله في تصرف النازحين لنصب الخيم والأكواخ الخشبية للإقامة فيها.
وفي المقابل، هناك من استغل الأوضاع، ورفع من أسعار إيجارات الشقق والمنازل. واضطروا إلى السكن فيها لغياب البديل، والبعض الآخر طلب مبالغ عالية كبدل إيجار كاراجات السيارات وغيرها من الأقبية التي قد لا تصلح للسكن. ومن الملحوظ تنامي التنسيق بين الجمعيات والمؤسسات في ما بينها، لتنظيم عملها في توزيع المساعدات على النازحين وإغاثتهم، فشُكل «ائتلاف إغاثة النازحين السوريين في جبل لبنان»، برئاسة قاضي الشرع الشيخ محمد هاني الجوزو. وهو يضم عدداً من الجمعيات الإسلامية في قرى وبلدات الإقليم، بالإضافة إلى بعض المساجد، كالناعمة وعرمون خارج الإقليم.
مأساة حقيقية في الإقليم. الأطفال الرضع ممددون على الأرض، وتتسرب تحتها مياه الأمطار، والصقيع يلف «الغرفة» التي يقيم فيها نحو عشرة أشخاص . جدرانها من الخشب والشوادر .
سكان تلك «الغرفة» يشكون من عدم توافر لقمة العيش لهم، بعدما غادروا بلادهم وتركوا أرزاقهم في مكانها. ويؤكد الجوزو أن «الائتلاف هو هيئة تنظيمية للعمل الإنساني، وليس هيئة منفصلة عن الجمعيات»، مشيراً إلى أنه «تم تشكيل الائتلاف بعد بدء عملية النزوح السوري إلى المنطقة بهدف تنظيم عمل الجمعيات في إغاثة إخوانهم السوريين». ويلفت إلى أنه «يتم التعامل باسم الائتلاف مع المؤسسات الدولية والمحلية».
يقول: «لدينا صلة مع جمعيات سعودية وكويتية»، لافتاً إلى أن «عمل الائتلاف يمتد من بلدة بسابا في الشوف حتى الساحل من بلدة الرميلة وشمالاً حتى بلدة الناعمة – حارة الناعمة، وصولاً إلى منطقة عرمون». ويوضح أنه «تم توزيع الملابس والحرامات والمواد الغذائية والتموينية على العديد من العائلات النازحة». ولفت إلى «حملات لتوزيع مدافئ ضمن مشروع تم تمويله عن طريق مؤسسة كويتية».
ويؤكد الجوزو أن «عدد النازحين في الإقليم وفق إحصاءات الائتلاف بلغ نحو خمسة آلاف عائلة، بالإضافة إلى أكثر من مئة عائلة فلسطينية لجأت الى منطقة داوود العلي في سبلين هربت من مخيم اليرموك»، معتبراً أن «وضع النازحين مأساوي بكل معنى الكلمة، فهناك من يعيش في أماكن لا تصلح للسكن، وهناك من يقيم في مساكن تشكو من النش والرطوبة وتسرب مياه الأمطار والبرد والصقيع. وهناك من يقيم في أقبية تحت الأرض وفي أماكن لا تتسع للعائلات وفي ورش للبناء قيد الإنشاء».
وروى الجوزو أن «إحدى السيدات النازحات في برجا أنجبت مولوداً في منتصف الليل، وكان الطفل بحاجة إلى (غوفاز). وقد رفضت المستشفيات استقباله قبل تأمين المال اللازم، الذي لم يكن متوفراً مع عائلته. فحاولنا نحن مرارا وقمنا بالاتصال بعدد من المؤسسات، حتى جاءت الموافقة في الصباح التالي لنقله إلى أحد مستشفيات صيدا. لكن الطفل كان قد فارق الحياة بمدة قليلة، فأصيبت الأم بصدمة نفسية».
ويؤكد أن «الملف الطبي أنهك الائتلاف بسبب أموال كبيرة تكبدها». ويشير إلى «عدم وجود جهات مانحة للطبابة، لذلك قررنا عدم الدخول في هذا القطاع إلا في الحالات الخطيرة». ويلفت إلى أن «ملف النازحين أكبر بكثير من إمكانات الجمعيات، فهو على مستوى دول وليس جمعيات».
ويأسف «لعدم قيام الهيئة العليا للإغاثة بأي عمل في الاقليم واقتصارها على الشمال»، ويعتبر «أن الدولة غائبة في موضوع إغاثة النازحين»، ويشير الى «وجود إشكالية مع أصحاب الممتلكات الذين رفعوا ثمن الايجارات». ويتابع الجوزو «نحن نشكو من شح وقلة في الموارد التي تصلنا من الجهات المانحة أمام الكم الهائل من أعداد النازحين، لذلك نقسّم الموارد، حيث ليس لدينا إمكانية لتغطية جميع العائلات النازحة. ونحن نوزع الحرامات والمواد التموينية والغذائية على جميع المناطق في الإقليم حسب عدد النازحين في كل قرية».
وتقول دنيا تركاوي النازحة من جسر الشغور: «لدي سبعة أطفال، لكبيرهم 12 سنة، هربنا من منزلنا ولم نتمكن من جلب أي شيء، فقد تهدمت بيوتنا بسبب القصف عليها التي غادرناها بعد اشتداد المعارك»، لافتة إلى أن بكرها مصطفى «هو المعيل لنا، يعمل في إحدى السوبرماركت في مزبود، حيث لم نستطع تسجيله في المدرسة مع شقيقه بسبب عدم توافر المال لدينا، إذ إن عمل زوجي قليل، ولهذا السبب لم نسكن في منزل أو شقة، لذلك نقيم في غرفة بطابق سفلي في إحدى ورش البناء من دون أي مقابل. وقمنا بتأهيلها بالخشب. ونشكو من البرد والصقيع وتسرب مياه الأمطار وعدم وجود فرش وسجادات ننام عليها».
ويشير علاء الدين محمود الشيخ النازح مع عائلته وأقاربه من معضمية الشام، إلى أنه لجأ إلى «ثانوية كترمايا» المقفلة مع عائلته وأولاد عمه، وأنهم يشكون من عدم توافر المياه والكهرباء والبرد والصقيع على وجه الخصوص. ويؤكد أنه أدخل طفلته البالغة من العمر عشرة أشهر إلى المستشفى عدة مرات بسبب البرد وعدم توافر التدفئة. ويلفت إلى أن لفتة كبيرة وتضامنية من الأهالي والجمعيات عبر تقديم المساعدات والحرامات وغيرها. ويشير إلى أنه انتقل إلى خيمة أقيمت على أرض تعود لإحدى العائلات في خراج بلدة كترمايا من دون أي مقابل، بعدما تم تحضيرها وتجهيزها بالكامل.
وتشير ريتا السيد من ريف دمشق، إلى أنها تقيم مع عائلتها ووالدتها وشقيقها في أحد كاراجات السيارات لقاء مبلغ 200 ألف ليرة لبنانية، لافتة إلى أنها بسبب ضعف الإمكانات المادية لم تسجل ابنتها البالغة من العمر 12 سنة في المدرسة. تقول: «زوجي يتقاضى مبلغ 20 الف ليرة لبنانية يومياً، وهي لا تكفي مصاريفنا، وأخي مصاب ولا يعمل. ونعاني من قلة الأموال وعدم توافر الإغاثة وموجة البرد القاسية»، مثنية على دور شباب كترمايا في تأمين بعض الحاجات لهم.
منقول عن جريدة السفير .