السيد في برجا الشوف … شيخ الجامع الكبير
هو الشيخ محمد سعد الذي غلب عليه لقب – السيد – طوال حياته ، وُلد في برجا عام 1867م التي عاش وترعرع فيها ، والده عبد الغني سعد ، والدته نفيسة ، ويبدو أنّه نشأ نشأة طيبة وتربّى تربية صالحة ظهرت آثارها في سلوكه وأخلاقه وتديّنه . شاءت الظروف أن ينتقل السيد إلى فلسطين وينزل في بلدة الكابرة في قضاء عكا . هناك يلتقي بالشيخ علي الدين اليشرطي شيخ الطريقة الشاذلية . في قضاء عكا أظهر – السيد – مقدرة كبيرة وإخلاصاً للدين وإلتزاماً بالطريقة ، فأسبغ عليه الشيخ اليشرطي رتبة مقدم ، وعاد إلى برجا مسقط رأسه يحمل تلك الرتبة فيستقبله الأتباع ويقصدونه من شتّى البقاع .
لم يغب عن بال الشيخ محمد عبد الغني سعد حديث النبي صلى الله عليه وسلم ” خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه ” ففتح كتّاباً في منزله بحارة العين يدرس فيه القرآن الكريم والقراءة والحساب . وكان يدرس على فترتين ، قبل الظهر وبعده ، وكان يرافق الطلبة إلى الجامع الكبير عندما يحين وقت الصلاة ، وكان يعدُ مسابقة في حفظ وتلاوة القرآن الكريم يعقبها إحتفال يحضره أهالي برجا لتكريم الفائزين .
يذكر أحفاد السيد أنّه لشدة شغفه بالقرآن الكريم عمد إلى كتابته بخط يده بواسطة قصبة توضع في المحبرة . وكان خطه حسناً حتى ضرب به المثل “جميل متل خط السيد ” . اعتمر- تعمَّم بالعِمامة – وهو في السادسة عشرة من عمره مكرساً حياته لدعوة الناس إلى طاعة الله والسير على نهج الرسول صلى الله عليه وسلم ، حيث كان يتجوّل قبل صلاة الجمعة على المقاهي والمحلات والدكاكين يدعو الناس إلى الصلاة ، فهو كان شيخاً لجامع برجا الكبير منذ العام 1952م إلى حين وفاته سنة 1964م .
وبالإضافة إلى عمله في التعليم الديني والإمامة والخطابة إعتنى الشيخ بأرضه في منطقتي الكروم والبساتين ، يقصدها مرتين في اليوم ، مرة بعد صلاة الفجر ، وأخرى بعد صلاة العصر ، حاملاً معوله ومنجله ومقصه . كما كان دائم العناية بالنخلة التي تشمخ أمام منزله يشذبها ويتنقل بين سعفها ، وعندما يحين قطافها يوزّع من ثمارها على الجيران وكل من يمر به . إحترف السيد حياكة الشراشف والمناشف وصناعة الدبس ، حيث كان يملك مدبسة في منزله ، وقد أكّد لنا أحد جيرانه أنه كان يقصده مع رفاقه يحملون الأوعية للحصول على كميات من الدبس اللذيذ .
تزوّج الشيخ محمد عبد الغني سعد من سعدى دمج المتوفاه عام 1925م – ورُزق منها بخمسة هم : عبد الغني ، عبد السلام ، نفيسة ، نجيبة وزهية .
كان السيد في مطلع شبابه يعمل في حياكة الأقمشة حيث كانت هذه الصناعة مهنة معظم أهالي برجا . ثم إشتغل ببيع الأقمشة كغيره من أبناء البلدة ، وقد عرف عنه تساهله في البيع وقناعته بالربح القليل ، وكان إذا رأى شريكه –يُعقّد – البيع ويطلب سعراً مرتفعاً ، وإذا رأى أن – البيعة موفاية – أي أن فيها ربحاً معقولاً أخذ بتهجئة كلمة – سرِّح – فيوافق شريكه على البيع بالسعر الذي دفعه الزبون .
أنشأ مطحنة ومعصرة لعصر الزيتون ، كانت ثالث معصرة أو مكبس في برجا . في كهولته فتح في بيته كتّاباً لتعليم الصبية . بعد وفاة الشيخ يوسف زين عام 1938م قام الشيخ محمد عبد الغني سعد بأمور الطريقة الشاذلية ، وظل شيخاً لها حتى وافته المنية رحمه الله ، ولم يتولّ مشيخة الطريقة من بعده أحد .
رحمك الله يا جدي وحشرنا واياك تحت لواء الحبيب المصطفى الرحمة المهداة يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم