كتاب على رفّ مقهى …
كتبت أ . زينب سليم حمية : اشتهر بحبّه للخمرة، مولع بالكتب والمطالعة …
إنّه ليس أبا نواس ، إنه رجل برجاوي يُدعى علي حسن رمضان .
عُرف بطيبة قلبه وصدق لسانه وعفوية التعبير والغموض .
إن أكثر ما يميّز هذا الرجل اليوم ، ولا يعرفه عنه الكثيرون، أنه ” قارضاً ” وليس قارئاً فقط !
نجده نهماً بقراءة الروايات العربية والمعرّبة , فهو الزائر رقم واحد في المكتبة العامة في برجا حيث يقوم كل شهر باستعارة بين ست وثماني روايات !
بعد إنهائهاً ، يعود إلى المكتبة محملاً بالتحليلات والنصائح بالكتب التي قرأها ، سائلاً دون كلل عن جديد الروايات .
وُلد السيد رمضان عام 1953 من أم بيروتية اسمها عائشة دوغان .
اكتسب عادة المطالعة واكتشف لذَّتها على يديها .
عاش في شارع صبرا في بيروت وشهد في بداية السيتينات نزول البرجاويين إلى بيروت ، يجتمعون في منزل من منازل صبرا لسماع قصص الحكواتي ، حيث كانت بيروت حينها تنهض من ثقل الاستعمار العثماني والانتداب الفرنسي وتأثرت بثورة يوليو عام 1952 في مصر وراحت تتأمل في الأدب المصري.
عام 1991 ، انتقل السيّد رمضان للعيش في برجا…
يروي لنا أنّه حاول مرّة أن يدخل خلسة إلى مقهى في برجا حيث لم يكن محبّذاً آنذاك أن يدخل شاب محافظ إليها ، فإذا به يتلقى ضربة عصا على رأسه من صهره إبراهيم مصطفى الشمعة الذي منعه من الدخول غيرة عليه.
يؤكد رمضان أنه ، في ذلك الوقت ، لم ير قطَّ رجلاً يحمل كتاباً في مقهى من مقاهي برجا بل كان هناك عدد لا بأس به ممن يقرأون الجرائد .
أما اليوم فلا يلحظ إلا وجود الأستاذ مصطفى محمد الزعرت يحمل الجريدة !
يضيف رمضان أنه منذ ذلك الوقت وحتى اليوم ومقاهي برجا تغرق بالفوضى والضجيج والتسلية ، حتى بتنا نرى أباً غير مسؤول يحشد أولاده في المقهى ، يجلسون مجتمعين على طاولة واحدة !
لم تعد المقاهي كما كانت عليه في السبعينيات حيث كانت مقصداً لتجار القماش في برجا، يرتاحون فيها بعد عناء يوم طويل من البيع ، يلتقي فيها بائع الجملة مع بائع بالمفرق، يتناقشون المكاسب وبضائع اليوم التالي ، بدل أن يلتقوا في البيوت وتنكشف عليهم النساء .
كانت المقاهي للعمل والراحة والتواصل وليست للعب الورق كما اليوم .
إن هذا التراجع الثقافي لا ينحصر فقط في مقاهي برجا , بل حصل ذلك في مقاهي بيروت التي كانت معروفة في هذا المجال بمنارة العالم العربي ، حيث كان يجتمع الأدباء من كل البلاد في مقاهي شارع الحمراء والزيتونة والروشة …
و يركّز رمضان على أن المقاهي ليست فقط للًهو ، إذ أن أشهر الأدباء كتبوا كتبهم في المقاهي كالأديب نجيب محفوظ مغذّياً بذلك كتاباته بشواهد حيَة من الشارع المصري .
يستغرب رمضان تقاعس رجال الدين في برجا عن أداء دورهم في هذا المجال وضبط المقاهي ، مستشهداً بالآية الكريمة : ” إقرأ باسم ربك الذي خلق ” لافتاً إلى أهمية التحرك فيما يخصّ موضوع المطالعة والثقافة.
كما عبّر عن دهشته وفرحته برؤية الشباب يترددون حديثاً الى المكتبة العامة ويزداد زوارها يوماً بعد يوم .
آملاً أن يستفيق مجتمعنا على غد مشرق قبل فوات الأوان على غفلة منا .