الرسالة … الحلم … الصلاة
كتب الأستاذ مصطفى عبد السلام الزعرت : ربّ ضارة نافعة .. كنت في مدرسة أنصار – قضاء النبطية ، وبعد مضي أكثر من عام على تعييني هناك نقلت تأديبياً إلى مدرسة بعاصير ، وكان يومها وزير التربية كامل الأسعد ، وسبب النقل هو تدخلي في الإنتخابات لصالح منافسيه في اللائحة الثانية .
بعد أن قضيت عاماً في هذه المدرسة نقلت إلى تكميلية برجا للصبيان وكان ذلك في العام 1963 – 1964 .
يومها كان دوامنا مختلفاً عما هو عليه اليوم ، وكان الإنصراف في تمام الرابعة من بعد ظهر كل يوم ويسبق ذلك فرحتان : الأولى لمدة ربع ساعة بعد مضي ساعتين والثانية لمدة ساعتين ولنسميها فرحة الغداء ، وبعدها نكمل بقية الدوام حتى الرابعة .
كان أخي محمد ، قد سافر إلى موسكو في منحة دراسية عام 1962 ، وكنت أنا الوحيدالتي تقع على كاهليه كل الأعباء المادية .
وكما يقول المثل : ثلاثة ٌ تكون قلوب الأهل معهم : المريض حتى يشفى … والصغير حتى يكبر … والمسافر حتى يعود ، وكان قلب والدتي رقيقاً وملتزماً إلى أبعد الحدود مع أخي محمد سواء أكان مسافراً أم لا .
في أحد الأيام المدرسية وصلت رسالة من أخي محمد ، وبالمناسبة فإن رسائله تتعدى الورقتين والثلاث وفيها كل أخباره .
في اليوم التالي لوصول الرسالة ، طلبت مني والدتي أن اقرأ لها الرسالة وكان ذلك اليوم صباحاً قبل الذهاب إلى المدرسة ، ففعلت :
وعند الظهيرة ، وكالعادة ، عرجت على منزل والدتي فقامت بواجب الضيافة ثم طلبت مني أن أقرأ لها الرسالة ففعلت .
ثم توجهت إلى البيت حيث أسكن وفي نفس اليوم وبعد الإنصراف عند الساعة الرابعة ، لمحتها من بعيد وهي تومىء إلي أن أحضر ، فسارعت إلى إحضار كباية من الشاي وجدت على أحر من الجمر ريثما أنتهي ، ثم هممت بالإنصراف ، فما كان منها إلا أن قالت لي : برضاي عليك : إقرأ لي الرسالة وكانت تضعها في عبّها ناحية القلب ، ففعلت . ولكن على مضض .
وأثناء الليل ، كنت أقضي وقتي عندها ، هرباً من بكاء الطفل عبد السلام ، حيث المكان هادىء والجو ملائم لدرس ، وكنت يومها طالباً في جامعة بيروت العربية .
قبل أن تنام سألتني : هل أحضر لك شيئاً ؟ فأجبتها : لا . ثم قالت : أتريد أن تقرأ لي الرسالة … ؟
عندها تفوهت ببعض العبارات ثم قرأت الرسالة ولكن على مضض . ثم نامت .
أحضرت طاولة صغيرة ووضعت عليها مصحفاً عتيقاً وبدأت أقرأ سورة البقرة ( سبب النزول – تفسير الآيات وإعرابها ) .
واستغرقت في الدراسة حتى منتصف الليل ، وكان هذه السورة مقررة في برنامجنا الجامعي .
فجأة رأيتها تجلس في فراشها على السرير ، فظننت أنها تريد أن تشرب أو أن تذهب إلى الحمام أو … فقلت لها : ما بالك يا أمي ؟ هل تريدين شيئاً ؟ فأجابت بعد فترة … إقرأ لي الرسالة … فقلت لها وأنا أحاول أن أضبط أعصابي : إنه بخير ، صحته جيدة ودراسته ممتازة . فقالت : هذا أملي فيك ؟ ولماذا ( كلمتي ثقيلة عليك ) ؟
خيّم الضباب على عقلي عندما سمعت عبارتها ، وضربت الطاولة أمامي ، فارتفعت وعليها المصحف العتيق ، فتناثرت أوراقه ، وأحسست بأن قلبي يعصر ، فقمت وجمعت الأوراق وقبلتها ثم نمت في مكاني بعد أن أخبرت زوجتي بذلك وكنا نسكن عند عمي الشيخ .
وأثناء نومي راودني حلم أو كابوس ، إذ وجدت نفسي جالساً عند شاطىء البحر ، إذ بصوت يخاطبني :
السلام عليكم ، كن طويل البال يا مصطفى . فلم ألتفت . ولم أشاهد أحداً . وبعد دقيقة رأيت رجلاً يركض ويقترب مني ثم سألني . هل شاهدت من كان يكلمك ؟ لا ، ماذا قال لك فأخبرته ، ثم سألته : وهل تعرف أنت هذا الشخص ؟ فأجاب : نعم .
إنه النبي .. فقلت له : أي واحد منهم ؟ فقال : النبي محمد … فلحق به حيث أشرت له ثم لحقت بهما أيضاً ، ولكن … ركضت فعلاً وأنا نائم ، ركضت فارتطمت رجلي بحافة السرير ووقفت على الأرض وارتطم رأسي بالباب وصحوت عندئذ واستفاقت الوالدة وهي تسأل : مصطفى .. ماذا أصابك ، هل أنت بخير .. ؟ ماذا حصل .. ؟ فقلت لها : النبي هو الذي فعل بي هذا ! والرسالة هي سبب كل ما حصل لي ،
في اليوم التالي : سألت والدتي : ماذا تريدين ؟ هل أقرأ لك الرسالة ؟ فضحكت كأنها تقول نعم ، وعاهدت نفسي وربي على الصلاة .
وابتدأ مشوار الإيمان ( كل الأوقات وفي المسجد ) إلى أن كان ذلك اليوم المشؤوم ، فبعد الوضوء عند الظهر إستوقفني أحد المصلين الذين هم عالة على الله والدين وقال لي : أراك تصلي كل الأوقات ، فمهما فعلت فأنت عند الله كافر وملحد !
إنك ( شيوعي ) !
ويومها حلفت بالله أن لا أدخل مسجداً طالما هذا ( الحيوان ) حي ، وهكذا كان وبعد ( أن نفق ) عدت إلى الصلاة من جديد .
استاذي العظيم ما اروعك