على ضفة نهر بيدرا جلست وبكيت
كتبت زينب سليم حمية : ” على ضفة نهر بيدرا جلست وبكيت ” هي إحدى الروايات الرائعة للكاتب الشهير باولو كويلو التي نشرت عام 1994 .
كويلوهو أحد المبدعين الكبار في أمريكا اللاتينية، ولد في عام 1947 في ريو دي جانيرو في البرازيل، وابتدأ بدراسة الحقوق قبل أن يتجول في أمريكا الجنوبية وأوروبا وأمريكا الشمالية، ثم عاد إلى البرازيل ليمارس كتابة الروايات و المسرحيات التي اعتقل بسببها في بلاده عدة مرات .
هذا الكاتب المعاصر باع حتى الآن أكثر من 75 مليون كتاب . وقد اُعتبر أعلى الكتّاب مبيعاً بروايته ” إحدى عشرة دقيقة “.
إنه كاتب رواية ” الخيميائي ” التي تُعدّ ظاهرة في عالم الكتابة ، وصلت إلى أعلى المبيعات في 18 دولة، وترجمت إلى 62 لغة وبيع منها 30 مليون نسخة في 150 دولة !
يتميّز هذا الكتاب بمعالجة مشكلة تردّد الإنسان في اختيار الشريك المناسب الذي يحيّر العالم ويربطه كثيرون بالقدر .
قلة هم الكتاب الذين يغوصون في كشف سرّ الحب الحقيقي الذي يجب أن يؤدي الى الزواج.
تبدو ” بيلار ” ، بطلة القصة وراوية أحداثها، امرأة عاشقة للحب و الحياة ، تحتار بين الزواج من رجل من بلدتها، العمل كموظّفة والسكن في منزل متواضع كأي امرأة وهذا ما تجده مملّاً لكن غير مُكلفاً؛ وبين الزواج من رجل أحبّته يجوب العالم، مكتشفاً أسراره و يتنقّل في المدن، يعيش المغامرات و يعالج المرضى بمعجزة وهبه إياها الرب !
ولكن، ما الذي قد يحصل حينما يكون الخجل و الخوف والتردد عوائق لتطوّر قصة حب يافعة ؟ وما الذي قد يحصل حينما يجمع القدر عاشقين، بعد مرور أحد عشر عاماً من الفراق؟ خلال ذلك الوقت، هي، علّمَتْها الحياة أن تصبح أقوى، وأقدرَ على كتم مشاعرها. وهو، أصبح معلّماً روحياً وسيماً، ذاع صيته بين الناس بأنّه يصنع المعجزات، وقد لجأ إلى الدين بعد أن وجد فيه ملاذاً آمناً من صراعاته الداخلية .
هو وهي، يذهبان سويّة في رحلة تبدأ بالصعوبة واللوم والاستياء، وما طاف على السطح بعد سنينٍ من الاختباء في خلجات النفس. ولكن، حينما يجلسان سويةً على ضفة نهر بييدرا في قريةٍ صغيرة في قلب جبال بيرنييه بفرنسا، يناقشان الكثير من الأمور، ويجيبان سويةً على الكثير من الأسئلة، والأهم، يعيدان تقدير علاقتهما الخاصة جداً .
هكذا تدور أحداث هذه القصة حول كيفية اكتشاف بيلار لنفسها و التأكد من خيارها عبر تجارب خاضتها بالقرب من الرجل الذي تحب .
تحوّلت حينها من امرأة لا تأبه بالذنوب إلى امرأة مؤمنة… فهي الأنثى التي فتحت قلبها وتجاهلت صيحات مجتمع يطالبها دوماً بأن تعيش حياتها كما يريد هو، ووقفت فاتحة ذراعيها لطوفان الحب يعبر إليها . وأثّرت ” بيلار ” هكذا على حبيبها أيضاً باكتشاف ذاته و تحديد مسار حياته.
ينتصر الكاتب بذلك لفصيلة نادرة من البشر تعيش على الحب، كما أنه ينتصر للفرد الحقيقي إزاء صراعه ضد مجتمع زائف، ويحاول إعلاء جوهر الحب فوق من أفسدوا سمعته!
يستند باولو في إيصال رسالته على وسيلة المجازفة و اغتنام اللحظات السحريّة والإيمان لتحقيق الذات و التغيير والوصول إلى السعادة.
إذ إن الله يعطينا في كل يوم ومع طلوع الشمس لحظة نستطيع فيها أن نغير كل ما يجعلنا تعساء! في كل يوم نتجاهل فهمنا بأن هذه اللحظة لها وجود ونتظاهر بالاعتقاد بأن هذا اليوم شبيه بالغد.
يؤكد باولو أن السعادة أحيانا نعمة ربانية و لكنها في معظم الأحيان فتح . فهذه اللحظة السحرية من النهار تساعدنا على تحقيق المعجزات وتدفعنا للبحث عن أحلامنا .
نحن سنتألم و نجتاز محناً سيئة ، ولكن تلك هي فترات الانتقال التي لا تترك آثاراً . ثم سنتمكن بعد ذلك من النظر إلى الوراء بفخر و إيمان .
فشقيٌ هو من يخاف المجازفة، قد لا يتعرض أبدا للخيبة و لا لفقدان الأمل، قد لا يتألم مثل هؤلاء الذين يسعون وراء حلم ، ولكنه عندما سينظر إلى الوراء فإنه سيسمع قلبه يقول له : ماذا فعلت بالمعجزات التي زرعها الله في أيامك ؟ ماذا فعلت بالمواهب التي عهد بها الله إليك ؟ لقد دفنتها. والآن ها هو ما بقي لك : اليقين بأنك أضعت حياتك.
ويتجلى الإيمان بوضوح في الرواية عبر طابع الطقوس الدينية التي تناولها الراوي بشكل جميل للغاية .
ان الدين الذي اختاره الكاتب هو المسيحية إلّا أنّ أي قارئ من ديانة أخرى لا يشعر بالغربة بل يمكنه بسهولة تعميم الأفكار بطريقة تتوافق مع دينه إذ أن الإيمان والإلهام الذي استند عليهما هما من مكوّنات الأديان كلّها , فيذوب القارئ خشوعاً ويلعب الإيمان بذلك دوراً اساسياً في اكتشاف الذات وتحديد المصير , يليه الإرادة القوية لتحقيق الحلم و التصرف حسب ما يمليه علينا الطفل الذي يسكن داخلنا.
أما أسلوب باولو كويلو فهو دائماً يحمل بين طياته شيئاً ما و يتميّز بالتشويق، إذ أنه لا يمكننا ترك الرواية قبل إنهائها خصوصاً أن الموضوع يتعلّق بتحديد الخيار المناسب، فنشعر معه غالباً أن الحقيقة تكمن بين السطور نصل إليها ولا نستطيع التقاطها .
أشبّه هذا الشعور بذاك الذي نحسّه عندما نستيقظ من النوم ونحاول استذكار حلم نجده مهمّاً فيترآى لذهننا ثم يختفي دون الظفر به ونحن نعلم أنه يحمل إلينا رؤية !
ذلك أن الحقيقة تتجلى في نتائج الصراع بين الأنا و الآخر ، ذلك الصراع الذي ينشب داخل الانسان ، صراع بين الحاضر والماضي و المستقبل، صراع بين ما أكون و ما يمكن أن أكون!
إن هذه الرواية تفيد ذوي القلوب الحائرة في اختيار الحبيب زوجاً ام لا. إذ أن الروايات اليوم تعتبر دواء نافعاً في قسم العلاج النفسي كما ذكرت الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي في كتابها : ” نسيان . كوم ” ، قائلة : إنّ العلاج بالقراءة الإنتقائية هو إحدى أحدث طرق العلاج النفسي، حتى صدر مؤخّراً في باريس كتاب يضمّ مئة عنوان لروايات عالميّة مقسّمة حسب احتياجات كلّ حالة نفسيّة يمرّ بها القارئ. ” صفحة 38
” على ضفة نهر بيدرا جلست وبكيت ” رواية رائعة، ذات مضمون شعريٌّ قصصيٌّ جميل، يعكس بجلاء أسرار الحب والحياة… لقراءتها متعة لا تُفوّت!
شكرا جزيلا بارك الله فيكم على هذا التقرير المفصل