المستشرق كريستيان لوشون : برجا ، البلدة التي تناديني دوماً
كيف يتخصص المرء في مادة إن لم يعشقها؟ كريستيان لوشون الإختصاصي في الشرق الأوسط ثقافة وإنساناً، يتكلم عن كل بلد اعتمد فيه مستشاراً ثقافياً من بلده فرنسا، أو أستاذاً في جامعاته، في عشق وحنين .
مصر ولبنان تركا الأثر الأكبر والوحي الأكثر خصباً في كتاباته . وزّع حياته بين جامعة بغداد والتعليم في لبنان وطهران وجامعات عين شمس والأزهر الشريف في القاهرة وليبيا . وبقدر ما كانت شمس الجنوب تضاعف الإغراء في نفسه، كان كريستيان لوشون جاهزاً دوماً للمضي في اتجاه عينها القاشعة، سندباد علم وبحث، من الخرطوم إلى دمشق، ومن افريقيا إلى آسيا الوسطى .
في مؤتمر “عند حدود النوعين” . من لقاء أجرته السيدة مي منسى مع أ. لوشون الذي زار لبنان للمشاركة في مؤتمر “عند حدود النوعين” نقتطف هذا الجزء الذي نشرته صحيفة النهار في السادس من حزيران 2002 :
قدمت في محاضراتك نظرة عميقة حول المرأة وكأنها جزء من الأرض التي تحب وتشتاق؟
- لعل هذه النظرة العميقة حول المرأة جعلتني أخصص في أبحاثي أطروحة حول “النساء والإسلام” قدمتها في مؤتمر ثقافي أتنولوجي عام 1999، وكنت مسؤولاً في مركز الدراسات والأبحاث حول الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا المعاصرة في باريس CHEAM . لكني لا أركز على هذا الموضوع إلا حين تدعو المحاضرة . يهمني في أبحاثي الناس والهوية والإنتماء والأرض .
وهل لبيت الدعوة إلى هذا المؤتمر حباً بأندريه شديد أم بلبنان ؟
لا أدع الزمن يُقيم مسافات بين البلدان التي أحببتها وبيني . برجا هي البلدة التي تناديني دوماً . جئت إليها منذ أربعين عاماً لإنجاز دراسة سوسيولوجية عنها نشرتها لي مجلة “روفو دو ليبان”، وكنت يومذاك في تعاون وطيد مع السيدة ليزا نجيم بين 1957 و 1960 وكانت برجا من الموضوعات التلفزيونية التي حققتها آنذاك . ثم كانت حلقة عن الشاعرة اندريه شديد . قطبان مختلفان: اندريه شديد الأديبة من أصل لبناني، وبلدة برجا بمؤسساتها الحرفية التي تمنع إنسانها من الإغتراب .
حين تتكلم عن أندريه شديد، هل هو حنينك إلى مصر ولبنان يرتبط بها ؟
- كلما عدت إلى هذين البلدين أشعر بأني أحج بفكر الحجاج وإيمانهم . برجا التي زرتها عام 1962 لا تزال تستقبلني إلى اليوم في لهفة . ومداخلتي في المؤتمر ليست سوى عودة إلى هاتين الجغرافيتين اللتين دعمتا أساسات أدب انديه شديد وشِعرها . وركزت خاصة على الرمزية في الكتابة الأنسية . فمن خلال حبها لمصر يعبق أسلوبها بالأدبية .
خلال إقاماتك الطويلة في البلدان الأفريقية والشرق أوسطية ألم تستعر درب اندريه شديد الروائية ؟
- لست روائياً ولا شاعراً بل أنا باحث أكاديمي إجتماعي وإتني . اطروحاتي تعبّر عني في المجلات المتخصصة .
هل ستبقى ذاك المسافر العائد من أسفاره بحقائب ملأى بقصص البلدان البعيدة .
- إنها الوسيلة الناجعة لكسر الحدود بين شرق وغرب ومعرفة الآخرين والتعريف بهم لا بالخيال الروائي بل من خلال تصوير واقعي وإحصائي إنساني عن شعوب الجنوب .
بعد أربعين عاماً على زيارته الأولى لبرجا الشوف – سنة 1962 – لدراستها كنموذج للقرية اللبنانية دراسة جغرافية وريفية وإجتماعية وبنفس الحرارة الإنسانية والجو الأخوي الأصيل الذي يجعل من برجا قرية قريبة من القلب كما قال عام 1962، استقبلت برجا الأستاذ كريسيتان لوشون المستشرق الفرنسي عصر يوم الثلاثاء 30 نيسان 2002 في النادي الثقافي بحضور رئيس بلدية برجا سلام سعد ورؤساء جمعيات وأندية ووجوه ثقافية وإجتماعية وتربوية ومهتمين .
أ.لوشون تحدث عن أيامه البرجاوية التي امتدت لأسبوع كامل في الستينيات، وعن حنينه وحبه لها . يحتفظ بذكرى غنية بالتجربة الإنسانية وخاصة الضيافة في هذا الزمن الرديء . ثم قدّم له رئيس البلدية لوحة لبرجا عام 1930 بريشة الفنان نبيل يحيى سعد هدية، وبعد كلمات ترحيبية أُخذت الصور التذكارية، ثم جال أ. لوشون ترافقه السيدة زوجته والسيدة فيفيان قصيفي مع رئيس البلدية على حارات برجا ومعالمها .
من هو الأستاذ لوشون ؟
جامعي ودبلوماسي سابق، وزّع حياته بين بغداد (1964-1966) وطهران (1966-1986) وإدارة المركز الثقافي الفرنسي في بغداد (68-70) مسؤول البعثة الثقافية لدى عدّة جامعات في القاهرة وفي السفارة الفرنسية في الخرطوم (76 – 82) وفي معهد العالم العربي في باريس (85 – 86) وفي السفارة الفرنسية (86 – 89) وأخيراً في إدارة الدراسات والأبحاث الخاصة بالشرق الأوسط في مركز الدراسات العليا لأفريقيا وآسيا الحديثة .
فعلا زياة مهمة ويا ريت منعرف شو كتب عن برجا بالماضي