دايتو ياداية !!!
لايكاد العزيب يتزوج حتى يسمع المهنئين يطلبون له الأولاد بعد طلبهم أن يفرحوا منه قبل زواجه .
وإذا طال الوقت ولم تحمل امرأته اضطربت الأسرة , ولاسيما الأم والحماة فعملوا الذرائع لحملها !
وإذا حملت الزوجة وجاءها المخاض استقدموا لها قابلة أو داية .
والداية هذه كانت ملاذ النسوة ومرجعهم إبان الحمل والولادة وطبيبتهن إذا ألمّ بهن حادث أو نزل بهن طارىء وحال الولادة .
كان في برجا الشوف دايات ماهرات .
عرفنا منهن في القرن التاسع عشر اثنتين , أورثتا المهنة لنسوة من أسرهن حتى تبقى أسرارها في عقبهن .
أسرة بيت يحيى , وهي شرش قديم في برجا رغم قلة عددهم . وقد سكنت في حارة العين .
والأسرة الثانية , بيت الحاج , وهي في عداد الأسر الكبيرة في برجا الشوف .
وقد مارست نسوة من كلا العائلتين هذه المهنة في البلدة بدون منازع .
أوائل الخمسينيات من القرن العشرين تخرجت من سوريا أول قابلة قانونية في برجا هي : عائشة دمج مواليد 1928 , زوجة الأستاذ عبد الرحمن أحمد سراج .
في هذه المقالة الأولى سنتحدث عن دايات آل يحيى , ثم نتبع ذلك بمشيئة الله بأحاديث عن دايات آل الحاج ودمج .
دايات آل يحيى
آل يحيى أخذوا المهنة عن جدادتهن من بيت ” عنوز ” وهي عائلة ماعاد لها حضور في برجا .
وقد قيل لنا : إنهم انتقلوا منذ أمد بعيد إلى سهل البقاع .
من أشهر دايات برجا من بيت يحيى : فهيمة بنت الشيخ سليم يحيى 1892 – 1971 المعروفة ” فهّوم ” وهي جدة بيت ادريس .
تعلمت من والدتها عائشة عنوز المتوفاة 1935 , والتي كانت تعرف بـ ” عيشة ديك ” , وكانت بدورها من الدايات المبرزات في ميدانها وبزمانها , وعائشة ” أم محمد ” تدربت على يدي أمها ” غزالة الشمعة ” المتوفاة 1900 .
فهّوم كالسواد الأعظم من النساء , كانت تحب ” خليفة الصبيان ” فكانت عندما يولد لسيدة بنت وله أخوات , تعود إلى بيتها مهمومة تعبة !
تنادي على بنت أخيها عائشة محمد سليم يحيى بحارة العين : ” ياعيشة فروشيلي , بدّي نام ” !
فهوم كانت داية لأتباع الطريقة الشاذلية , الذين كانت تولد نساءهم بغالبيتهم .
كانت تقول : ” المرا الحلوة ووجها طافح معها صبي , واللّي متوحشة معها بنيّة !
” البكرية بيضل لآخر شهرها ” .
” المرا إلّي بتنقل إجرها الشمال بتكون حبلى , واللّي بتنقل اليمين بتكون بش حبلى ” !
من طرائفها مع نساء ضيعتنا ومتاعبها معهن أنها كانت تقول : ” إن شالله موت قبل ماتحبل مريم وسهيلة ” لماذا ؟
كانت خليفتهما صعبة وتتمدد من يومين إلى ثلاثة .
كانت تنبسط بخليفة فطوم ودلال وأم سميح , كانوا يخلفوا بدقيقة .
كانت فاطمة دمج مواليد 1920 , كلما ولدت , لم يعش المولود , مرة راقبت فهوم علائم حملها فقالت : هذه الحبّة هذه المرة سالمة بإذن الله … فولدت وحيدتها .
كانت فهّوم حذرة في عملها , فإذا أحسّت بخطورة الموقف طلبت من أهل الحبلى حملها إلى المستشفى , وكانت ذات نظرة ثاقبة .
كانت فهّوم إذا ولّدت سيدات فقيرات لا تأخذ منهن شيئاً , وتزيد على ذلك بـ ” تنقيطهن ” .
مرة تعسرت ولادة سيدة برجاوية بحارة البيدر , فبعث أهلها بطلب فهّوم ” من غير علم الداية الحاضرة التي تولدها ” !
كانت السيدة تصرخ من مخاض الولادة … لما فحصتها فهوم رغم اعتراض الداية الثانية , نادت على أمها : ” ياعليا حمولي بنتك ع صيدا ! الرحم لح ينفجر معها !
في صيدا إستأصلوا للسيدة رحمها بعد أن خرج وليدها ميتاً !
كانت فهوم سبباً في إنقاذها .
من نوادرها مع ” الخليفة ” ومتاعبها حادثة نادرة حصلت معها لسيدة من برجا وكان معها توأم . الأول نزل من بطن أمه فيما الآخر ولد في اليوم الثاني , وكل ذلك بعنايتها وحذاقتها .
عداوة ” الكار ” لاتنتهي .
قدمت في حقها شكوى تقول إنها لاتملك الكفاءة المطلوبة لأداء هذه المهنة , فما كان منها إلا أن قصدت وزارة الصحة والإسعاف العام وطلبت إخضاعها للإمتحان , والذي فازت به بجدارة وامتياز ( صورة الوثيقة ) .
لما عادت فهوم إلى برجا تحمل الإجازة عام 1930 , أستقبلت بالطبل والزمر والزغاريد .
حلوهالمقال واتمنا تكتبو عن هذه الحكايات
ايام زمان كانت بسيطة ورائعةوموقع هذا لبرجا كل يوم عليه منفوت