العلاّمة الشهيد صبحي الصالح
مثل الشمس الساطعة في أيام الشتاء الباردة، ومثل العافية بعد المرض كان قدوم صبحي الصالح في الساعة الثامنة والنصف من صباح كل يوم إلى مقر جمعية رعاية أطفال المسلمين في لبنان، فينفق وقته في الإشراف على مدرستها لرعاية الأيتام، ومتابعة مدرسة أخرى لتعليم العلماء المسلمين اللغات الأجنبية…. وكان قدومه يملأ النفوس بهجة بعمامته المهيبة ووجهه المشع بالنور وابتسامته التي لم تكن تفارق شفتيه، والتي تبعث الأمل وتخفف عسر الحياة في وجه كل من يلقاه.
تأخّر الشيخ صباح الثلاثاء الخامس من صفر1407هـ الموافق للسابع من تشرين الأول عام 1986م لأنه ذهب لرفع كربة طفل ولمساعدة أحد طلابه الفقراء.
كان يستقل سيارة أجرة كل يوم ويشتري في طريقه جريدة الصباح… لكنه في ذلك اليوم لم يقرأ سوى عناوينها ، ولم يتح له أن يدخل جمعية الأطفال فعندما وقفت سيارة الأجرة وهمّ بالنزول اندفع باتجاهه مجرمان ملثمان يركبان دراجة نارية ومن مسافة قريبة جداً أطلقت عليه رصاصات دخلت في جبهته وتحت عينه وفي فكّه…. لتنقله فيما نرجو الله إلى عالم الشهداء.
لم يكن صبحي الصالح يسد ثغرات عظيمة في مجتمعه وبلده وحتى في الأمة المسلمة فحسب بل كان يمثّل بحق الإنسان الذي كرّمه الله، فحق كرامة الله فيه بنموذج قل نظيره في المعرفة والتقى والسمو والتسامح…. لم يفقده فقط أيتام لبنان… ولكن المسلمين جميعهم فقدوه، وخصوصاً أهل السنة والجماعة في لبنان فقد خسروا باستشهاده أحد أهم مرجعياتهم التي أعطتهم توازناً ورؤية حضارية واسعة وآفاقاً إيمانية مؤثرة… وساهمت في نقلهم من الغبش الحضاري والتشرذم إلى الرؤية الحكيمة والنظر البعيد، وكان الصالح مقتنعاً أن حضارة العصر دائرة في الفراغ، مستعدة للرحيل…. وكان يؤكّد أن ضياع قيمة الإنسان هو الذي أضاع قيمة الحضارة، بين جماد المتحرّك وتحرّك الجماد، وبين أنصار الغريزة وانهزام العاطفة، وبين نفاق الساسة وعزل الدين… وبرغم هذا كله كان الشهيد الصالح يتوقّع حلول حضارة تقبل محل حضارة ترحل، وتوقّع نور يسطع في أعقاب نجم يأفل، وإيناع حقول تثمر وسط روضات تذبل…..
إنها من الأفق البعيد تومض وتلوح…. إنها من جديد حضارة الإنسان، لأنها حضارة الدين وقيم الروح”.
العلاّمة صبحي الصالح طرابلسي المولد من عائلة تركية الأصل عام 1926م، نبغ فيها عدد من العلماء.
درس في طرابلس وأتمّ دراسته الثانوية المدنية والشرعية في دار التربية والتعليم فيها، ثم حصل على الشهادة العالية (الإجازة) من كلية أصول الدين في الأزهر الشريف عام 1947م ثم العالمية عام 1947م ثم سافر الى فرنسا فنال شهادة دكتوراه الدولة في الآداب من جامعة السوربون عام 1954م.
قضى حوالي ثمانية وعشرين عاماً في التدريس الجامعي، في جامعة بغداد (1954-1956م)، وفي جامعة دمشق (1956-1963م)، وفي بيروت العربية عمل أستاذاً للإسلاميات وفقه اللغة منذ تأسيسها وحتى استشهاده، وفي الجامعة الأردنية (1971-1973م)، وكان فيها رئيساً لقسم أصول الدين، وعيّن أستاذاً في الجامعة اللبنانية منذ العام 1963، وانتخب رئيساً لقسم اللغة العربية وآدابها فيها منذ عام 1975م، ثم عيّن مديراً لكلية الآداب والعلوم الإنسانية عام 1977م، ثم صار أستاذ كرسي الإسلاميات وفقه اللغة العربية فيها. وحاضر أستاذاً زائراً في جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض، والكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين في الجامعة التونسية، وسمي في جامعة ليون الثالثة بفرنسا مشرفاً على رسائل الدكتوراه في الدراسات الحضارية واللغوية والإسلامية.
– نائب رئيس المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في لبنان.
– رئيس اللجنة العليا للقرن الخامس عشر الهجري.
– الأمين العام لرابطة علماء المسلمين.
– عضو مجمع اللغة العربية في القاهرة، وأكاديمية المملكة المغربية، والمجمع العلمي العراقي، ولجنة الإشراف على الموسوعة العربية الكبرى.
منحته المنظّمة العربية للتربية والثقافة والعلوم جائزة “التفكير الإجتهادي في الإسلام”.
وله رحمه الله العشرات من المؤلفات والبحوث والدراسات مشهورة منثورة.
كان للعلاّمة الشهيد شخصية قوية، وبديهة حاضرة، وحضور محبب، وجاذبية عفوية، وقد كان له في التلفزيون الأردني منذ أكثر من ثلاثة عقود مساجلات علمية راقية جداً مع بعض العلماء، وكان يدير ذلك الأستاذ الكبير ظافر القاسمي وهو ابن العلاّمة الشيخ جمال الدين، رحمهم الله جميعاً، أما في العراق فكان جامع أبي حنيفة رضي الله عنه في منطقة الأعظمية يكتظ بالشباب الملتزم العطش إلى المعرفة والعلم عندما كان يحاضر فيه العلاّمة الصالح.
من بيروت مضت جنازة الصالح إلى طرابلس الشام بلد العلماء… وفي الطريق وقفت كل مناطق لبنان وطوائفه ومذاهبه والدموع تترقرق في أعينها… لأنه كان العالم الذي يلم الناس إذا افترقوا ويحيي فيهم الإنسانية إذا أطلت غرائز الوحوش، وأحنى الجميع رؤوسهم إجلالاً لمواكب العالم المهيب،أما قتلته من المجرمين فظنوا أن صبحي الصالح ومدرسته قد انتهوا ومازالوا يجهلون أن وراء الدجى يلد الفجر الجديد.
العلاّمة صبحي الصالح زار جامع برجا الكبير عام 1974 بمناسبة احتفال لجنة الوقف في برجا الشوف والتي كان يرأسها الحاج محمد درويش رمضان بالمولد النبوي الشريف على ساحة عين برجا في 14 ربيع الأول 1394هـ ، 6 نيسان 1974م من ذلك العام.
رحم الله صبحي الصالح وأجزل له العطاء و نفعنا به وإن غاب عنا ببدنه فهو حاضر بعلمه و ذكراه الحسنة وطلعته المؤمنة و نطلب من الله العلي القدير أن يجمعنا به و برسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم في الفردوس الأعلى آمين
رحم الله شيخنا الصالح و حشره مع الصديقين والشهداء الصالحين,لقد كان بحق طرازا من العلماء فريدا جمع بين الإحاطة بالقديم و التبريز في الجديد من نتاج المسلمين و غيرهم من المستشرقين
نسأل الله أن يمن علينا بأشبال الصالح علما و ثقافة و عملا
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد فلقد درست قليلا حياة هذا الرجل العظيم وأحببته حب المتعلق بالعلم والعلماء، إنه كان حقا رحمه الله الرجل الفذ،المحب للأيتام ، المتعطش لزرع الخير أينما رحل وارتحل، محبا لدينه وغيورا عليه،يعمل ويسهر على نشر الصلاح ونبذ الفساد،ومازلت لم أرق للتعبير ولوصف هذا الرجل الخير،وما زلت لم أتوفق لإنزاله المنزلة التي يستحقها،ورغم الأوصاف التي سأصفه بها فلن أستوف هذه الشخصية المرموقة حقها…فرحم الله فقيدنا وتغمده الله فسيح جناته مع الأنبياء والصديقين والشهداء . إنه سميع مجيب.
الله يرحمك يا شيخ و يرحم كل المؤمنين و المظلومين
خسركم الشيعة قبل السنّة
نعم نحنا فقدناكم و مشتاقينلكم