بذل السلام للعالم … زيارة إلى دير المخلص
بمناسبة المولد النبوي الشريف وبدعوة من لجنة الأهل في مدرسة دير المخلص الكاثوليكية الواقعة في بلدة جون، قضاء الشوف بجبل لبنان، زار وفدٌ من دار الفتوى الدير والمدرسة اللتان يعود تاريخ بنائهما إلى القرن السابع عشر الميلادي . تقدّم الوفد الشيخ جمال جميل بشاشة شيخ جامع برجا الكبير، ومعه عدد من العاملين في أزهر جبل لبنان ومركز تحفيظ القرآن الكريم في برجا الشوف.
وكان في إستقبال الوفد نائب رئيس الدير الأب سامي داغر ورئيس مدرسة دير المخلص الكاثوليكية الأب عبدو رعد والمحترم وسيم المر وعدد من أفراد الهيئة التعليمية، ومن بينهم ابن برجا الأستاذ علي مصطفى الزعرت أستاذ الرياضيات البارع، الذي سررنا بحضوره واستقباله.
في البدء ألقى رئيس المدرسة الأب رعد كلمةً رحّب فيها بالوفد أمام عشرات الطلاب والحضور، ثم ألقى الشيخ بشاشة كلمة من وحي المناسبة هذا نصها :
” يتيم … جعل الله اليتم له مهدا.
وحين كان أترابه يلوذون بآباء لهم، ويمرحون بين أيديهم كطيور الحديقة .. كان محمد يقلّب وجهه في السماء
لم يقل قط يا أبي … لأنه لم يكن له أب يدعوه ؟ ولكنه قال كثيراً، وقال دائماً : يا ربي …!!
أيُ سر في اليتم حتى يختاره الله لأعظم حاملين لكلمته، مبلغين لرسالته المسيح ، ومحمد؟
أجل فالمسيح أيضاً كان يتيماً، وحين جاء الدنيا لم يكن له أب … وحين كان أترابه كذلك يباهون بآبائهم، كان يشير هو بكفه المضيئة إلى السماء.
ترى هل أختار الله لهما اليتم ليفجر الرحمة في نفسيهما تفجيراً؟
كلمات ثلاث ما نعرف أروع وأجمل منها، يقولها رسول الله، يحدث الناس عن الدين لا عن السياسة، ومتى ؟ منذ أكثر من ألف وأربع مئة عام ! حين سُئل عن أفضل الأعمال، فقال: بذل السلام للعالم … ولمن ؟ للعالم … ليس للعرب قومه، ولا للمسلمين أمته، بل للعالم كله … وليس عالم جيله وعصره … بل عالم الأجيال والعصور، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
لقد كان محمد يعرف النور الذي خُلق منه، والدور الجليل الذي اصطفي له، وعاش يحيا في نور قول الله له ” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ….”
أية رحمة ورأفة كرحمة هذا الرسول، الذي لم يترك شيئاً ما يمكن أن يكون مصدر ألم للإنسان إلا دهمه، ونهى عنه … حتى الإساءة إلى الحيوان أو الحشرات، ينبغي أن تُقابل بالرحمة، وتُعالج بالرفق، ويضرب محمد لهذا مثلاً جميلاً فيقول : قرصت نملة نبياً من الأنبياء، فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى الله إليه: أن قرصتك نملة، أحرقت أمة من الأمم تسبح”
انظروا كيف تتألق إنسانية محمد وتسمو !
والذي يؤاخذه الله في هذه القصة على تخليه عن الرحمة تجاه حفنة من النمل ليس فرداً عادياً، بل هو نبي من الأنبياء …
إن الأديان ما شرعت للتفاخر والتباهي، ولا تحصل فائدتها بمجرد الإنتماء إليها والمدح بها، بلوك الألسنة والتشدق في الكلام، بل شرعت للعمل.
عندما تخاصم أهل الأديان .. والرواية لإبن كثير عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال أهل التوراة: كتابنا خير الكتب، ونبينا خير الأنبياء، وقال أهل الأنجيل مثل ذلك … وقال أهل الأسلام لا دين إلا الإسلام، وأمركم وأمرنا أن نؤمن بكتابكم ونعمل بكتابنا، فقضى الله بينهم، ونزلت الآية: ” ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب، من يعمل سوءاً يُجز به، ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً “
ما الذي يمنع أن ننسى الماضي كله ؟ إن الأديان جميعاً لم تنجُ من أناس أساؤوا إلى روحها العالي، وسخروها لأهوائهم الخاصة، ولا ثمرة تُرجى من التلاوم على ما فات . هذا ما علمنا إياه علماؤنا في الأزهر الشريف أمثال الشيخ محمد الغزالي وخالد محمد خالد .
في شهر كانون الثاني قامت الدنيا وقعدت بسبب الجريمة المنكورة في صعيد مصر حيث قُتل غدراً وعدواناً خمسة أقباط صبيحة عيد الميلاد الشرقي أمام كنيستهم، ومعهم شرطي مسلم … ولكن الكثيرين لم يلتفتوا إلى خبرٍ نُشر في صحيفة مصرية يقول: أن أربعة أقباط ماتوا في سبيل إنقاذ زميلٍ مسلمٍ لهم .
تقول القصة : إن عاملاً مسلماً في إحدى قرى صعيد مصر نزل إلى عبارة للصرف الصحي، فسقط مختنقاً بسبب أوكسيد الكربون، فسارع قبطي لإنقاذه فسقط مثله، ثم الثاني، ثم الثالث، ثم الرابع، والأربعة من زملائه الأقباط الأرثوذوكس .
والمفارقة أن المسلم حُمِلَ حياً إلى المستشفى، فيما زملاؤه ماتوا … أربعة جاشت نفوسهم بالإنسانية وبحب الخير … ماتوا من أجل إنقاذ رجلٍ على غير دينهم … يا لله، ما أكرمهم، وما أشرفهم .
بذل السلام للعالم: حلم جميل .. وحبذا لو تعاونت الأسرة الإنسانية على تحقيقه، وعاشت قريرة العين في ظلاله … ونحن نود لو امتلأ وجه الأرض بهذا الأمان المبذول والإستقرار المكفول .
نشكر الأخ الأب عبدو رعد ونشكر أفراد الهيئة التعليمية ونشكر القائمين على شؤون الدير، ونتمنى لكم التقدم والإزدهار وكل عام وأنتم بخير” .
ثم كانت جولة في أرجاء الدير وأقسامه. والحق أن الزيارة لقيت صدىً طيباً وأثراً ممتازا في نفوس الزائرين وفي نفوس أخواننا القائمين على أمور الدير .
الزيارة تمت ما بين صلاتي الظهر والعصر من يوم الخميس 11 ربيع الأول 1431هـ الموافق 25 شباط 2010م .
نشكركم على تغطية هذا الخبر.
انا ابحب دير المخلص كتير منزو ما كنتو اعمل في الدر وكنتو اعمل في الزرعة منذو عمين واحب سليمان والريس عبدو