الداعية محمد عمر الداعوق
ولد محمد عمر الداعوق في بيروت عام 1910. وانتهى به تحصيله العلمي إلى مدرسة الصنائع المهنية، حيث نال شهادة فنية في الميكانيكا التي برع فيها، مما يسّر له العمل واكتساب الخبرة وثقة الناس، وأصبح يُعرف بالمهندس محمد عمر الداعوق.
تتلمذ، وهو بعد يافع، على الشيخ الداعية سعدي ياسين، فحصّل جانباً من العلوم الدينية كما سعى لتثقيف نفسه عبر دراسة الكتب والمراجع الإسلامية. وكان مما يميّزه إلتزامه وحرصه على تطبيق ما يتعلمه من تعاليم الإسلام.
في ذلك الوقت كانت فلسطين تستقطب اليد الفنية الماهرة، فتوجه إليها “أبو عمر” وأقام فيها سنوات حيث تزوج وأسس منشأة حديثة للخراطة. وفي عام 1947 عندما أخذت تلوح نُذُركارثة فلسطين عاد إلى لبنان.
في بيروت بدأ “أبو عمر” دعوته، فانطلق يحدّث الناس ويحثهم على طاعة الله والعودة إلى الدين ويدعوهم للتضامن والوحدة لئلا يصيبهم ما أصاب أهل فلسطين. كان يستغل كل مناسبة وكل منبر وكل منتدى للدعوة، وكانت له دروس منتظمة في مسجدي الإمام علي بن أبي طالب في الطريق الجديدة والمسجد العمري في الوسط التجاري، كان خلوقاً طيباً صادقاً ومندفعاً، يتحلّى بروح التسامح والشعور العالي بالمسؤلية تجاه المسلمين، وكانت أحاديثه تتسم بالطابع الروحي والأخلاقي، وكانت دعوته تتميّز بالحكمة والبساطة والعفوية والإعتدال.
ولما شعر بإقبال الناس وتجاوبهم، فكّر مع مجموعة من أخوانه من أهل بيروت، في تأسيس”جماعة عباد الرحمن” بهدف نشر مكارم الأخلاق وتربية الشباب تربية مبنية على تعاليم الإسلام.
عام 1951 حصل “أبو عمر” على ترخيص رسمي وفتح مركزاً في محلة البسطة الفوقا. مذ ذاك بدأ شباب الجماعة ينتشرون في مساجد بيروت وسائر المدن والقرى ويخطبون في الناس ويدعونهم للعودة إلى الله ويقدمون لهم ما أمكن من الدعم والخدمات الإجتماعية. وقد لمس الناس إخلاص وصدق وتواضع أبي عمر كما لاحظوا دماثة أخلاقه وعلو همته ونشاطه المتميز في المجالات الدينية والإجتماعية والثقافية حتى غدا الشخصية المحببة إلى نفوسهم فاقبلوا عليه واستمعوا له.
في فترة الستينات، ومع تزايد إقبال الشباب وتعاظم المسؤليات ترك العمل وتفرّغ للدعوة. وفي هذه المرحلة تضاعف نشاطه في العديد من المجالات سواء في الخطابة أو في المساجد، أو التحدّث في المنتديات وعبر الإذاعات، أو الكتابة للنشرات أو القيام بالرحلات الرياضية والمخيّمات الكشفية.
في أوائل السبعينيات وتلبية لدعوة أمير الشارقة، وبعدما شعر أن أخوانه الشباب قد تمرّسوا بالدعوة وقيادة الجماعة، حط رحاله في الخليج العربي، وأكمل دعوته من هناك محدثاّ يومياً عبر إذاعة الشارقة ثم مدرساً وموجهاً دينياً عبر دروس تبثها وسائل الإعلام المختلفة ومنها التلفزيون. وقد لقي “أبو عمر” في دول الخليج المختلفة ما يستحق من حسن وفادة وتكريم ورعاية، كما انتسب صيتاً طيباً بحيث يُرجع إليه لحل كثير من القضايا العائلية والمشاكل الإجتماعية.
توفاه الله فجر يوم الأحد 26 صفر 1427هـ الموافق 26 آذار 2006م بعد عمر حافل بالجد والنشاط والدعوة إلى الله وإلى وحدة المسلمين. وقد ترك علوما كثيرة يُنتفع بها على شكل محاضرات مسجلة وكتب ونشرات كثيرة، وترك ذكراً طيباً عطراً كما ترك شباباً تحملوا من بعده المسؤولية وما يزالون. رحم الله “أبا عمر” وتغمده بواسع رحمته، أنه سميع مجيب.
في برجا الشوف لاقت جماعة عباد الرحمن إقبالاً كبيراً على الانتساب إليها في الخمسينيات من القرن العشرين، ورعى هذا الإقبال الداعية الداعوق بنفسه، فكان يحضر إلى برجا للخطابة في الجمع على فترات متقطعة متقاربة في جامعها الكبير، حاملاً عدة الشغل في حقيبة تلازمه في أسفاره، والعدة هذه كما كان يقول كلما سُئل عنها مؤلفة من طاقية وعباءة.