دم بلاد الشام والفتن السوداء !
أكد شيخ الجامع الكبير في برجا الشوف جمال بشاشة في خطبة الجمعة 12 رمضان 1432 الموافق 12 آب 2011 أن العربي اليوم يتقلب بين خوفين , خوف على دماء الأهل الذي يسفك في أرجاء الوطن العربي , وخوف على أمصارنا وأقطارنا من استباحة الأعداء لها وإشعالها بالفتن السوداء الدينية والمذهبية والعرقية بهدف تفتيتنا وتمزيق أواصرنا بحجة مساندة الثورات ونشر الديمقراطية .
وجاء في الخطبة : أن لا شيء يكشف عن إيمان النبي محمد عليه أفضل الصلاة وأبهى السلام , بالعدل ، ومقاومته الظلم مثل حديثه المضيء الذي يقول : أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ، قال رجل : يا رسول الله أفرأيت إن كان ظالماً ، فكيف أنصره ؟ قال : تمنعه عن ذلك ، فإن ذلك نصره … لقد بلغ من بشاعة الظلم عند النبي محمد أن الظالم نفسه يكون ضحية ظلمه ، إنه قد أنزل الظلم بنفسه ، في ذات الوقت الذي أنزل الظلم بغيره … وهو لهذا مظلوم في صورة ظالم ، تعس في ثياب جبار .
انظروا كيف تتألق إنسانية محمد وتمسو فيسمي جماعة النمل أمة فيقول : قرصت نملة نبياً من الأنبياء ، فأمر بقرية النمل فأحرقت ، فأوحى الله تعالى إليه : أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبّح ! حفنة من النمل لا يدرك الناس لها ولا لآلاف مثلها أهمية وقدراً ترتفع في عين النبي محمد إلى الحد الذي يتصور لها عنده قداسة وحرمة .
أيها المومنون والمومنات : إذا كان الله قد وعد الصابرين إن هم صبروا فإنه قد علّمهم أن كل ظلم إلى زوال , رغم داء الخلل وطاعون العنف وانتحاريات الغرور وطغيان الدم على الرحمة في شهر الرحمة وأنهار الدماء وسلاسل السجون والظلم الذي جاوز ظلم زمن العبيد في صحراء ليبيا وبساتين اليمن وواحات الشام في سوريا .
لم تشهد سوريا في تاريخها ما تشهده اليوم من حالة مفجعة ينزف فيها الدم العربي والمسلم … وقد أصبحت ساحة مفتوحة لكل ما يثير المخاوف من مستقبل مبهم ومجهول يتحول إلى كابوس يسيطر علينا جميعاً في بلاد الشام .
لماذا يصر حكامنا في ليبيا واليمن وسوريا على أن يبقى صوت الرصاص أقوى من صوت التعقل والتروي ؟ هل من أحد قادر اليوم على ضبط إيقاع الشارع المنتفض وهو يزداد ثورة وهيجاناً مع اتساع رقعة الدم البريء المراق ، ومع مشاهد الجنازات اليومية لقوافل الشهداء .
أليس من المفجع والمرعب أن تعيش إسرائيل آمنة مطمئنة بيننا , فيما جيوشنا تحاصر المدن والقرى العربية وتصوب بنادقها نحو الإخوة والأقارب والجيران وتقتل الأطفال والنساء والرجال وتقصف المآذن في تحد سافر لمشاعر المسلمين في كل أنحاء العالم .
والذي يدمي القلب ويزيد من أساه أن الدم المراق هو دم الأهل مما يجعل المشهد أقرب إلى أن يكون عبثياً ينتمي إلى اللامعقول . نعم قلوبنا تدمى ونحن نشاهد ضحايا جنون العظمة وعبادة الذات يمارسه قادة يتشبثون بالسلطة تشبث ذئب جائع بنعجة بيضاء صغيرة .
السؤال الأهم المطروح اليوم : كيف يمكن إيقاف حمام الدم هذا ؟
وحده الحاكم وبيده وحده أن يوقف هذا النزف المراق على أرض بلاد الشام … وحده يستطيع أن يوقف الإنهيار الاجتماعي الذي يهددها ويمزق جسدها العزيز والغالي علينا … وحده الحاكم يستطيع ذلك بالنزول عند تلبية رغبات الناس بالحرية والكرامة والأمن والعدل والمساواه .
والسؤال الأخطر في هذا النفق المظلم , في هذا الليل الحالك : كيف يمكن أن نجنب أرضنا وبلادنا أتون التدخل الأجنبي والمطامع الجشعة , مع أن ما يحوم حول سوريا يجعلها احتمالات متوقعة ؟
وكم كان مخيفاً ومفجعاً أن تعرض إحدى الفضائيات خريطة تبدو فيها سوريا مقطعة الأوصال ومقسمة إلى دول طوائف وأعراق وقوميات وفق مايشتهي أعداؤنا ويخططون .
نعم ، ما الذي يمنع في ظل تعنت حكامنا وصلفهم وجورهم وتهورهم وأخذنا إلى الهاوية , المشروع الذي يصرح عنه قادة إسرائيل منذ نشوئها في أن تكون منطقة الشرق الأوسط منطقة متعددة الدويلات القومية والطائفية التي تتصارع فيما بينها ؟ سياسة العدو تقضي بإيصال نار الدويلات التي ترسخت في العراق , إلى سوريا والسعودية والأردن ولبنان وتركيا ، مما ينذر باضطرابات ونزاعات وحروب سنوات وسنوات وعقود وعقود لن يخرج منها منتصراً إلا تجار السلاح والفتن السوداء ؟
احتمال مرعب أن نفاجأ بتدخل أجنبي عسكري … نعم هذا الخارج متربص في الغالب … ولن تكون أهدافه عملاً خيرياً لانقاذ الشعوب المظلمة ، وتجربة التدخل في ليبيا دليل واضح . ونسأل : أين هذه الدول المتقدمة في الغرب التي تغار على حقوق الانسان وحريته وكرامته وتهدد بالويل والثبور إن لم تحترم تطلعات الجماهير ؟ أين هي مما يعاني منه إخواننا في الأرض المقدسة في فلسطين منذ أكثر من ستين عاماً ؟ أين هي من حقوقه المهدورة ومعاناته التي لم تبارحه من ذلك التاريخ إلى اليوم ؟ واهم وساذج وفقير وأحمق من يعلّق خلاصنا على دور محتمل لمن وقف ضد قضايانا المحقة في المحافل وكل الميادين , حيث ما حصدنا إلا الخيبة والتواطوء ! .
ويحق لنا أن نسأل إلى أي مدى وصل التفاهم بين أميركا وأحزاب وجماعات علمانية واسلامية في عالمنا العربي اليوم , إن لم نقل ” وحدة الحال ” بحيث يسمح للمندوبين السامين , للسفراء بدخول أحيائنا في المدن الثائرة والمنتفضة وصولاً إلى مساجدنا … والماضي القريب يجعلنا لا نستبعد ذلك ، فبعد احتلال العراق عام 2003 وتدميره سارعت العديد من الأحزاب العلمانية والدينية السنية والشيعية إلى العمل تحت راية العدو ودخول جنة حكمه وجحيمه والإئتمار بأوامره والعمل بسياسته والسير بركابه مقابل إعطائهم فتات السلطة , في الوقت الذي ينهب الاحتلال خيرات العراق ويسرق ثرواته ويبدد طاقاته ويحرق سلاّفه ! .
إن ما تواجه الأمة وسوريا على الخصوص مفترق تاريخي خطير ، هذه اللحظات الحاسمة تستدعي من الحكام التبصر … ما زالت أمامهم فرص ومخارج من أجل مستقبل سوريا ومستقبلنا جميعاً … وهذا ما لا يكون إلا حين يوقفون آلة القتل ولهيب النار وإعصار الدمار .
وليت حكام سوريا ينصتون إلى نداء الامام الأكبر شيخ الأزهر بالنزول عند رغبات الشعب بالاصلاح والكرامة والأمن , وأن يتداركوا الدماء المسفوكة والأسر المشتتة والمصائر المهددة ومواجهة الشعب دون جدوى .
وقد أعلن شيخ الأزهر أن هذا الأمر جاوز الحد وأنه لا مفر من وضع نهاية لهذه المأساة العربية والإسلامية حيث لا يجوز السكوت شرعاً عنها … وبلسان الحريص والعارف دعا حكام سوريا إلى سرعة الاستجابة لإرادة الشعب وحقن دماء الناس لأن ذلك يفوت الفرصة على أي مخططات تعمل الآن على تفجير الشام المبارك من أقصاه إلى أقصاه ….. يقول : إن الدماء لاتزيد الثورات إلا اشتعالاً …. فهل من مستجيب ؟ .
“أن العربي اليوم يتقلب بين خوفين خوف على دماء الأهل الذي يسفك في أرجاء الوطن العربي , وخوف على أمصارنا وأقطارنا من استباحة الأعداء لها وإشعالها بالفتن السوداء الدينية والمذهبية والعرقية بهدف تفتيتنا وتمزيق أواصرنا بحجة مساندة الثورات ونشر الديمقراطية”.
بدل ان تزرع فينا الامل, فهل انت تخوفنا؟.
من استباح ارضنا للأجنبي؟ اليس من سمي في معجمنا الفقهي بولي امرنا !!!.
من استباح عرضنا ودمنا ومالنا وارواحنا؟ اليس من دعى له على منابر رسول الله صلى الله عليه وسلم, ان يطيل الله بعمره ويسدد رميه ويشد بنيانه, فكان عمره على صدورنا ورميه في قلوبنا وبنيانه سجوننا.
هل مكتوب لنا حل من اثنين لا ثالث لهما: اما الاستعباد او التفتيت.
ان المنابر لتشهد كم مرة رددنا كلام خليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضى الله عنه حين قال “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً””, لمن قالها وبوجه من وماذا قال لمن تعرض لأذى الحاكم, الم يقل له “اضرب ابن الاكرمين”. فكيف والحال بنا نتعرض لأذى الحاكم وهو ابن الارازل, اليس الاجدر ان نضربه, لا بل وأكثر من ذلك, والرسول صلى الله عليه وسلم يقول عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي, ومنهم ابا بكر الذي قال “…،أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم”.
نخاف من ما هو آت ومن انظمة ستتغير وكأن لا حول لنا ولا قوة لم نسمع بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم يشحذ فينا العزيمة “اذا قامت الساعة وفي يد احدكم فسيلة فليغرسها”. عهود التخلف والفقر والديكتاتورية التي مرت على بلاد المسلمين والتي انتجها الاستعمار الاجنبي لم تفرخ الا حكاما (ملهمين) زرعوا في قلوبنا اليأس والعجز والكسل وليس امامنا سوى طريق واحدة لأن نسترجع انسانيتنا هي طريق الشورى (الديموقراطية) زائد العدالة الاجتماعية زائد التنمية.
وحدها هذه الطريق توصلنا الى مرتبة نستحقها، هي مرتبة البشر وغير ذلك.. يراد لنا ان نكون قطيعاً من الغنم تحرسه الكلاب (الحكام وجيوشهم).