ربيع الثورات وجفاف الصومال
كتب حمد الماجد : ربيع الثورات العربية لاقى كل هذا الصدى الكبير من الإعلاميين والساسة والمثقفين والكتاب والغاية كرامة الإنسان ، ومأساة الصومال الغاية فيها إنقاذ حياة الملايين المعرضة لخطر الموت جوعاً ، ويؤسفنا أن هذه المأساة الإنسانية المريعة لم تنل نصيبها المستحق لا من الحكومات ولا الأفراد ولا الإعلام العربي الذي يتابع الثورات العربية بتفاصيلها الدقيقة ، وهي بلا ريب تستحق ، لكن فرق بين أن نركز على شعب ينتفض بمئات الألوف حفاظاً على كرامته وشعب ينتفض بالملايين للحفاظ على حياته، وأنا بالتأكيد لا أدعو إلى الكف عن الحديث عن الثورات العربية والتركيز على المأساة الإنسانية المفجعة في الصومال ، ولكني أطالب بميزان القسط والعدل تجاه قضايانا ، فكل قضية يجب أن نوليها ما تستحق من الاهتمام حسب أهميتها وخطورتها ، يقول الشاعر : إن اللبيب إذا بدا من جسمه / مرضان مختلفان داوى الأخطرا .
تتحدث الإحصاءات الرسمية الصادرة عن الأمم المتحدة عن أرقام مفزعة ، فهذه المجاعة هي الأخطر منذ عشرين سنة ، وأودت حتى الآن بعشرات الأطفال الذين ماتوا جوعاً ومن نقص العناية الطبية ، وهناك ثلاثة ملايين ونصف المليون آدمي عرضة للموت ما لم تتحرك ضمائرنا نحن الذين نتعرض لخطر الموت بسبب التخمة وما تجود به موائدنا مما لذ وطاب ، بل التخمة أصابت حتى حاويات النفايات التي امتلأت بأكوام الأرز واللحوم والحلويات .
لقد قلت ضمائرنا نحن ، ولم أتحدث عن ضمائرهم « هم » ، أعني الضمير العالمي ، لأن الأمم المتحدة بمجرد أن أعلنت الصومال منطقة منكوبة إنبرى المغرمون بنظرية المؤامرة وقالوا : هذه دسيسة للتدخل في الصومال ، حسناً تكرموا أنتم « بالاندساس » في الصومال ولا تفتحوا المجال للهيئات المندسة تبشيرية كانت أو سياسية أو عسكرية ، نحن لسنا أغبياء بدرجة كافية ونعلم أن في المؤسسات الإغاثية العالمية تبشيريين مندسين ، لكن المصيبة أضخم من التدقيق في الهويات والنيات ، فعشرات الألوف من الصوماليين يموتون يومياً والملايين عرضة للموت ، فإما أن تتداعى الدول الإسلامية لإنقاذ الصومال ، وهذه مسؤولية منظمة التعاون الإسلامي لتوصيل الرسالة ، أو فلنترك للمؤسسات العالمية أن تتدخل حتى ولو كنا نعرف أجنداتها ومخططاته ا؛ لو أنك تتعلم السباحة على شاطئ البحر فشارفت على الموت غرقاً ورأيت فتاة بغياً لا تؤمن بالله ولا باليوم الآخر عارية كيوم ولدتها أمها وتخطط منذ أمد لإغوائك لطلبت منها تلك اللحظة أن تنقذك ، أو على الأقل ترمي طوق النجاة عليك ، ولن تكترث حينها بكفرها وبغائها وعريها ، فما بالك بشعب يتعرض الملايين منه للإبادة ويموت يوميا بالآلاف .
والذي يحز في النفس أن المبلغ المطلوب لعملية الإنقاذ ، بناء على إحصائيات الأمم المتحدة ، ليس كبيراً لو تعاونت عليه دولة عربية نفطية واحدة ( نحو ثلاثمائة مليون دولار )، فما بالك لو أن كل دولة ساهمت وفق طاقتها ، والشعوب هبت ووهبت من قوت يومها ولو بدولارات معدودة ، لكنا تجاوزنا بالصومال قنطرة المسغبة والحاجة للمؤسسات العالمية ، وإذا كان الإسلام قد حرم على من يبيت شبعاناً وجاره جائع فما بالك بمن يتخم من الشبع وأولاد جاره يتساقطون موتًا من الجوع الواحد تلو الآخر ؟ نقلاً عن جريدة الشرق الأوسط .