الشباب والتقاليد … أين ؟ إلى أين ؟
كتبت عبير المولى : شبابنا العربي والتقاليد … لماذا إن سألت أحدهم اليوم إن كان متمسكاً بالعادات والتقاليد على الفور تكون إجابته سلبية وكأنه في اللاوعي يعتبر أن التقاليد يعتبر وجودها في حياته نوعاً من التخلف وعدم الإنفتاح … بل تجد هذا الشاب الذي تنكر لعاداته – غير متأسف لرميه بها في سلة المهملات – تجده يتفاخر بانفتاحه للغرب وتقليده لهم ولكثرة ما هو فخور يستعرض إنجازه العظيم و ” يا أرض تهدي ما حدا قدي ” ولكنه لا يعرف أنه سيأتي يوم يكتشف فيه بأنه أصبح أضحوكة التقاليد الغريبه عنه وعن مجتمعه وتربيته والتي إختار أن يقلدها ظناُ منه أنها سوف تجعله محط أنظار الناس وإعجابهم وأنه على الموضة ومنفتح ولكنه لا يعلم أنه بتخليه عن عاداته يكون قد تخلى عن جذوره ” فمن تشبّه بقوم فهو منهم “… فلماذا يقوم شبابنا اليوم -بالطبع لا نقوم بالتعميم – بالتشبه بالغرب والإبتعاد عن تقاليده ؟ ولماذا شبابنا يقلد الغرب بالسلبيات دون الإيجابيات ؟
التقاليد – بدون أدنى حرج – يمكن القول إنها آخر شيء يتمسّك به شبابنا ، والخطأ هنا خطأ التربية بالدرجة الأولى ، التي لا تمنح الطفل ( الذي سيصير شاباً ) كل ما يشبع نهمه من تقاليده ودينه ، فينشأ الطفل مع إحساس فظيع بنقص يتحول مع مرور الأيام لبحث حثيث عن التعويض في ثقافة أخرى ، كما أن مجتمعه لم يسنح له التعرّف على مفهوم الثقافة التي هي ذلك المعتقد الذي يتضمن المعارف والمعتقدات والفن والقانون والأخلاق والعادات وأي قدرات أخرى يكتسبها الإنسان كعضو في المجتمع .
بشيء من التدقيق يمكن أن نلاحظ أن تقليد الشباب العربي للغرب ينحصر في القشور التي لا تُجدي نفعاً، في كل ما هو فارغ، تقليد إستهلاكي بالدرجة الأولى، وهذا محيّر بالفعل، لأننا لم نكن لنشعر بالإحباط لو كان شبابنا يتأثر بعالِم ما مثلا ً، لكن شبابنا إختار كل ما هو سطحي و تافه ليقلده .
آراء.. بعضها يؤيد وأخرى ترفض التقلّد بالغرب
يقول أحمد ، طالب جامعي، 20 سنة : ” أحب الاستماع إلى الأغاني الغربية ، خصوصا الحديثة منها. الأغاني العربية تبدو لي مملة و بطيئة الإيقاع وأغلب كلماتها تصبّ في منحى واحد، و نحن لسنا في حاجة إلى المزيد من الحزن”.
وجهة نظر هذا الشاب قد تبدو معقولة، وهو بالتأكيد مخطئ، لكنه معذور في كونه أيضا لم يجد بديلاً ، لم يجد أنشودات عربية تذكّي حماسه الشاب التوّاق إلى كل ما هو ثائر، ولا نتحدث هنا عن أغاني الغرام التي يبدو أن قريحة معظم شعرائنا لم تعد تجود بغيرها، وهو بالتالي يتجه إلى البديل الذي يراه أقوى و أكثر حضارة، إلى الغرب، وعقدة النقص تتجلى بوضوح في هذه الحالة.
أما يوسف فعند مشاهدته يخيل إليك – من طريقة لباسه – أنك قد انتقلت إلى أحد شوارع نيويورك حيث القبعات الغريبة و السراويل و القمصان الفضفاضة جداً .
يقول يوسف، 21 سنة : “لا أعرف – بصراحة – لماذا أفضل هذا النوع من الثياب، لكني عند مشاهدتي للأفلام الأجنبية تروقني هذه الملابس و أرى أنها أفضل من التي لدينا”.
ربما تكون حالته هي الرغبة في التميّز أيضاً، و إن كان سبب آخر يطل علينا هنا و هو الاقتحام الإعلامي المقيت لبيوتنا بدون استئذان. إن الصورة التي تمنحها القنوات الأجنبية عن بلدانها تجعلها تبدو أشبه بالجنة الموعودة ، فهي تعرض كل ما هو جميل و مثير، وهذا كل ما نفتقده في معظم بلداننا، مما يضع الشاب في حالة إنفصام واضحة ، بين تراث وتقاليد لا يعرف عنها إلا القليل و شاشةٍ تعرض أناساً يعيشون حياتهم بطولها وعرضها، ولا ننتظر – طبعاً – من هذا الصراع النفسي سوى أن ينتج لنا شباباً مهزوزاً، مرتبكاً ، حائراً ، مقلداً أكثر منه منتجاً.
يقول محمد ، 25 سنة ، مغترب : ” عشت سنوات في أوروبا ، ولحسن حظي لم تبهرني الحضارة الزائفة، لقد عرفت الحقيقة. كل ما يعرضونه هو بمثابة ذر الرماد على العيون، الحياة هناك كاذبة في كل شيء، و مع شيء من الوعي يمكن أن ندرك هذا ببساطة “.
هاهو شاب يخالف الآخرين الرأي، و طبعا رأيه ناتج عن مشاهدات وأحداث عاشها وخبرها بنفسه.
لفتت نظري (ر.ج) طالبة جامعية (21 سنة) بالوشم المدقوق على ساعدها، سألتها عن سبب دقها الوشم فقالت: “إنه يناسبني و يناسب طريقة تفكيري فلقد عشت مدة طويلة في الstates وتعجبني الفتاة الأمريكية في حياتها فهي متحررة تفعل ما يحلو لها بدون خوف أو تردد، فالفتاة في بلداننا العربية لا تعرف كيف تعيش، فهي دائماً ومهما علا شأنها مقهورة ومغبونة، بينما في أمريكا والبلدان الغربية طموحة وتعرف كيف تفرض ما تريد، كما أن الحياة على الطريقة الأمريكية أجمل و أسهل و خالية من العقد!!!..
سألنا أستاذة في علم إجتماع عن السبب الذي دفع (ر.ج) لتفكر بهذه الطريقة، فكان رأيها: “اللوم ثم اللوم على أهلها الذين تركوها تنغمس بأفكار قد تدمرها في المستقبل ف(ر.ج) من الواضح أنها تنظر إلى الحرية من مفهومها الخاطئ فهي تبحث عن التحرّر و ليس الحرية بمعناها الحقيقي، وأعود إلى دور الأهل فمن الواضح أنهم غائبون عن إبنتهم أو أنهم يوافقونها في أفكارها..هنا يطفو على السطح طريقة التربية التي من الواضح أنها تعاني من التصدعات الفكرية.
و نجد العكس مع (س.د) حيث تقول: “لقد عشت لمدة أربع سنوات في بريطانيا حيث تطلب عمل والدي للإنتقال إلى هناك و في لندن أكملت دراستي الجامعية،
وحزنت لرؤية بعض الشباب العرب يقلدون الغرب بصورة ماسخة و مثيرة للشفقة، ففي بريطانيا تعمدت أن أحافظ على عاداتي الشرقية ، وأرى أن ثقافتنا العربية ثقافة غنية لكن الإعلام الغربي هو الذي يبهر شبابنا و يجعلهم أسرى لمعتقدات خاطئة”.
أما محمد ز. (27 سنة ) موظف، يقول: “هناك بعض الإيجابيات في المجتمع الغربي..فلديه التنظيم و القدرة على مواجهة عيوبهم أخطائهم..بينما نحن في المجتمعات العربية نخاف أن نواجه عيوبنا وأخطاءنا و كأننا مجتمع فاضل بلا عيوب، ولكن لا أحد ينكر أن لدينا ثقافة عريقة و حضارة لكن هذا كان بالأمس والآن نحن نعاني من التفكك الثقافي”.
أما السيد أحمد (50 سنة) فيقول: ” شبابنا المفتون بالغرب لم يأخذ سوى الشذوذ الأخلاقي واللامبالاة والتهرب من تحمل المسؤوليات، وحياة كل يوم بيومه، والإبتعاد عن الإلتفاف العائلي معتقدين أن التحرر هو عدم التمسك بالعادات والتقاليد العربية التي تشدد على أن يكون الشاب متزن وملتزم بالحياة الأسرية، كما يفخر الشاب المتمثل بالغرب بمصاحبته لفتاة وبالسهر حتى الفجر وبممارسة المحرمات.. كل هذا يقع ليس فقط على الشاب نفسه بل أيضاً على الإعلام وما يبثه من أفكار هدامة وعلى التربية في المنزل والمدرسة وأيضا على المجتمع الذي يتقبل هكذا نموذج وكأنه صورة للتحضّر”.
أما الدكتور ي.ف. (أخصائي أمراض نفسية)، يجيب: “إن الثقافة العربية الحديثة اكتشفت نفسها متأخرة في مرآة تَقدم الغرب الذي أخذ لقاؤها به شكل “صدمة ” بالمعنى النفسي العميق للكلمة، فالعرب بشكل عام مصابون بعقدة “الخواجة” و يعتقدون أن الغرب أفضل بأفكارهم و ثقافتهم، وإذا نظرنا إلى التاريخ فسنجد السبب الرئيسي هو الإستعمار الأجنبي للعديد من البلدان العربية، آثار الإستعار لا تزال متوغلة بشكل أو بآخر في تفكير الشباب العربي، كما أن هذه القضية لن تعالج بسهولة فهي تحتاج إلى الكثير من التوعية و الوقت و الجهد ..و المسؤلية تقع على عاتق الأهالي في تربيتهم ثم إلى المدارس و الجامعات والإعلام، فالإعلام بات القوة الحقيقة في التثقيف”.
التقليد…. مشكلة حقيقية تنسف عاداتنا
أمام كل هذه الآراء لا يسعنا سوى القول إننا أمام مشكلة حقيقية تهدف إلى نسف عادات وتقاليد كان الأجدر بنا عدم التخلي عنها وعدم تقليد ونسخ عادات وأشكال غربية لا تمتّ لمجتمعنا بأية صلة، فما هو الحل إذن؟ من الصعب جدا أن ندعي أننا سنحل المشكلة في بضعة أسطر، فالمسألة أعمق و أصعب من هذا بكثير، وهذا ليس تعجيزاً إنما هو اعتراف بالواقع. ولعل هذا يكون أولى الخطوات نحو الحل، علينا أن نتحلى بالصبر إن نحن أردنا التغيير، أشياء كهذه لا تغير بين عشية وضحاها .
ختاماً يبقى الكثير من الكلام الذي لا ينتهي فيما يخص هذا الموضوع … ولكن يمكننا التمني أن تبقى التقاليد موجودة وراسخة في عقول وممارسات شبابنا لأنهم بتخليهم عنها يتخلون عن تاريخهم فلتكن البداية من التربية ، التي يجب أن تمنع الطفل من الشعور بالدونية ، و أن تمنحه الثقة بتقاليده وعاداته، و بالتالي بنفسه، على أن تحرص – كل الحرص – على المراقبة الجيدة لكل ما يعرض أمام الطفل، الذي يبقى مستعدا للتأثر بكل ما يشاهده ويسمعه.
مقالة رائعة …من لا يقدر نفسه لن يقدره أحد
العتب كل العتب على القادة والحكام الذين لا ينافسون الغزو الثقافي الغربي…نافسوه بما لديكم فثقافتنا العربية لها عناصرها التي نفخر بها أينما ذهبنا…منذ القدم والغرب ينبهر بثقافة الشرق…وحتى اليوم ويغار منها ويأخذ عنها…
لفتتني هذه العبارة : كما أن مجتمعه لم يسنح له التعرّف على مفهوم الثقافة التي هي ذلك المعتقد الذي يتضمن المعارف والمعتقدات والفن والقانون والأخلاق والعادات وأي قدرات أخرى يكتسبها الإنسان كعضو في المجتمع .
اذا الشاب او الشابة هما ضحيتان…اين هم الأبطال العرب الذين سيردّون للثقافة العربية اعتبارها
ما يثلج صدري حقيقة وجود نساء مثقفات في برجا امثال عبير وزينب واتمنى ان نعمل جميعا على تثقيف المراة لانها هي المسؤلة بالدرجة الاولى عن التربية كلنا نسمع بالقول الام مدرسة اذا اعدتها اعدت شعبا طيب الاعراق فالشعب الغير مثقف والذي لا انتماء له من الطبيعي تقليد الذي ينبهر فيه وبما تيسر من التقليد لانه لا يستطيع تقليد الجوهر فيقلد بالشكل رحم الله الشيخ محمد الغزالي حين قال(ان الغرفة الغير مؤهلة بتكييف الهواء سرعان ما يغلب عليها الجو العام )وكما نعرف الجو العام اليوم بيد الغرب واعلا
مه فبالنهاية اقول للعرب خاصة كما قال سيدنا عمر ابن الخطاب (نحن قوم اعزنا الله بالاسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره اذلنا الله)ا
وشهد شاهد من أهله ………… شكراً زينب على التعليق..
وأيضاً الشكر للأستاذ نبيل سعد الفنان الموهوب وصاحب أبدع لوحات تشعر حين تنظر إليها وكأنها داخلها وكأنك جزء من ألوانها … لوحات تحكي ذاكرة ضيعة غابت عنا وغُيّبت عن الكثيرين …
أما فيما خصّ هذا الموضوع فالكلام والبحث فيه لا ينتهي .. إنه واقع نعيشه وفي الغالب مفروض علينا مجاراته في بعض الأحيان حتى لا نتهم بالرجعية أو التخلف .. ولكن أوليس التخلف هو إستغنائنا عن عادات أصيلة وتقاليد هي تمثل جذورنا العربية وتاريخ يجب التفخار به بدل التنكر له …………
أسئله كثيرة تكاد لا تنتهي والوضع إلى أسوء فأين نحن من هذا الواقع؟ نحن جيل اليوم .. من أسموننا بــــ”جيل الإنترنت، جيل الموبايل، جيل الستلايت، جيل الوجبات السريعة، وجيل الفايس بوك….”
نحن لا ننكر كل ما سهلته هذه الثورة المعلوماتية في حياتنا ولكننا نصرّ على عدم إستبدال الأصالة”العادات والتقاليد” ب عادات ليست لنا أو منا .. ندعو إلى عدم نسف تقاليدنا لأننا حينها لن نكون شيئاً .. لن نكون الأصل بل سنصبح “التقليد”…
الغرب ليس حضارة بل نحن الحضارة … أما عاداتنا وتقاليدنا فهي من تبقينا حضاريين ………
كتير حلو………… المقال والتعليقات على المقال
موضوع جداً مهم..اشكرك على طرحه عبير نظرا لاهميته
كل شعب يحتاج لأن يواكب التطور وأن لا يختلف عن عصر التقدم الحالي …ان العالم الغربي اصبح مركزا للنجاحات العلمية المختلفة والمتنوعة…مما جعل من الغرب تمثالاً للانبهار والانجزاب من قبل الشباب لدرجة الانصهار الفكري والشكلي التام في قلب هذا السحر المُزيّن بالسعادة والمُبطّن بالأفات التي تُذهب بالعقل والدين….فدرُج التقليد دون قيد او شرط….مما افقدهم قيمهم العربية وعاداتهم واستغنوا عن افكارهم بل وايضاً الرغبة في التفكير ليصبحوا اتباع بعد ان كان العرب هم القادة والرواد في جميع مجالات العلم والمعرفة والادب
اخذ العلم وانتقاء المفيد ضرورة..شرط ان لا يتنافى مع الاخلاقيات العربية…
يعتقد الشاب او الشابة ان في تقليدهم للاجنبي من حيث الشكل اواللغة او طريقة المشي ..الخ اي في القشور هو تميّز…او شخصية مستقلة يصنعها لذاته..لكن اين الاستقلالية اذا كنت تركض وراء من يجذبك بوهم كاذب …هو نفسه لن يرضى ان يتبعك..
لسنا نطالب الشباب او الشابات بالتمسّك بعادات قديمة كتراث..بل ندعوهم للتمسك بالقيم الاخلاقية كدين… فبعض التقاليد التي صحّت في زمن اجدادنا قد لا تصح في زمننا هذا. وبعض العادات والافكار ايضاً اثبت العلم انها باطلة.. فما عليهم سوى ان يمسكوا بيد العقل من جهة وبيد اخلاق الدين من جهة اخرى …وترك التشبه الزائد عن الحد….والاعتراف بفضل الاقدمين والافتخار بتاريخ امتنا …
ولتصنع شخصيتك ولترسم صورتك بنفسك من خليط عربي .. فلهم دينهم ولك دين…والله المُعين..