المعلم سليم محمد لمع … عازف النول البرجاوي
حول السوق على أعتاب حارة العين تناثرت بيوت العديد من الحائكين ، من آل لمع ودمج وسعد والشمعة ، وأشهرهم بلا ريب المعلّم سليم محمد لمع ( 1913 – 1998 ) المبدع على نوله . عاش عمره يحوك كل ما يخطر على البال من الحرير والمناشف والشراشف والبسط . إشتاق أواخر حياته وتلهف على مجموعة من الشباب والصبايا يرثون الحرفة ويتعلمونها بعد أن غربت شمسها وهجرها أهلوها ، وهو لذلك تعاون مع النادي الثقافي عام 1987 لإقامة دورة تعليمية على النول فلم تجد الصدى المأمول . وحين رحل عن الدنيا رثاه أ. خالد حسن الشمعة رئيس النادي آنذاك فقال : ” كل شيء في الغرفة بات ساكناً ، هادئاً ، حزيناً . وحده العنكبوت ينسج خيوطه ، يسرح في أرجائها يتهادى ، فسيد الغرفة غاب عنها . توقف النول وانزوى ، تدلّت خيوطه كالدموع تنسكب من أعالي أوتاد معلّقة كهامات منصوبة ، وتهاوت أثقاله وتسمّرت ، وغطّ المكوك في سبات عميق … فالذي كان يجول في ساح النول ، ويتربع على هودجه ، ماسكاً بالمقبض ، يشده نزولاً وصعوداً ، محرّكاً أوتاره ، دافعاً مكوكه ، هازّاً أخشابه لينسج ما علّمه الجدود من إبداع في صناعة الشراشف والمناشف والبسط وقماش الحرير ، ما عاد قادراً على الحراك … هوى عازف النول بعد عمر مديد قضاه ، وهدأت ألحان رافقت حياته ، أحبها وتمرّس بها .
هوى وهو المتبقي من رعيله الذي ألِفَ النول وألِفَه ، وأحنى عليه وواكبه … إنه المرحوم سليم لمع ، هذا الفنان المبدع ، المتمكّن من مهنة الحياكة . عاش حياته رفيق نول وخيط . ظلّ يرعى النول ، يجوب القرى والبلدان التي استهوى أبناؤها الحفاظ على التراث في كل بقعة من بقاع لبنان .
ألبس الوجيه ثوب الحرير ، وزيّن البيت الشرقي بنتاج الصوف . كم شوقي للحديث إليه وهو يروي ما قام به الأجداد من جهود لترويج بضاعة الحياكة ، وما ذاع من صيت لبرجا في هذا المضمار ؟ فكان يسهب بكل فرح وحب بالتعبير عن مهنة أشرف وأعظم من كل المهن بالنسبة إليه ، فهي التراث والمجد ، وهو الشاهد الأخير يحمل شهرة برجا وعزة برجا … خسرناه وخسرنا معه تراثاً لم تتعلّم منه الأجيال ، ولم تأبه لهذا الكنز الثمين الذي أعطى لبرجا المجد والشهرة … مات عازف النول وحسرته في قلبه لأنه لم يترك خلفه من يتولى أمر هذه المهنة ” .
وقد نشأ المعلّم سليم لمع في بيت يحترف الحياكة من زمن الأجداد الذين توطنوا عند أعتاب حارة العين ( العقار 2344 ) ، فوالده محمد ( 1882 – 1965 ) إضافة إلى حياكته البيتية كانت له مصبغة للغزل مع اثنتين أخريين ، الأولى كانت للشيخ سليم حسين يحيى ، والثانية لإسماعيل درويش أبو مرعي ( 1885 – 1981 ) أول الحارة ( العقار 2348 ) .
نثر سليم لمع أنواله في غير مكان : عند عبد الغني سعد وفي بيت البنا وعند بيت محمد قاسم ترو ، وكانت تحاك عليها الشراشف القطنية الجميلة ، أمّا هو فتخصّص بحياكة الحرير الخالص الممتاز ، الذي كان من أبرز طالبيه جملة من السياسيين والزعماء ، وزائرون من فرنسا حرصاء على اقتناء ما تنتجه برجا من قطن وحرير .. من كتاب الحياكة البرجاوية للشيخ جمال بشاشة .