أشجار الزيتون المعمّرة تهجُر قرانا … تجارة جديدة مربحة ومزدهرة
اشترى صديقي شجرة زيتون مستوردة بـ 5 آلاف دولار، وفيما كان يتباهى بها، روى له آخر
ان احدى الشركات في وسط بيروت اشترت شجرة الزيتون بـ20 و 25 ألف دولار لأنها معمرة، وانها كلفت ألفي دولار لضمان وصولها في الوقت المناسب، وفي حال جيدة. هذه الفكرة راقت لأبناء بلدتي، فقرروا اقتطاع ما تبقى من شجرات عتيقة، وعملوا على تشحيلها وترتيبها، وأعدوها للبيع. وهكذا بدأنا هجرة من نوع جديد. هجرت الزيتونة تلك الحديقة، وبعد أيام مات أبو رياض الذي كان يتفيأ تحتها. ثمة من يجد من بيع الزيتون المعمر فرصة قد لا تأتي مثيلة لها مرة أخرى، وخصوصاً أن البلدان العربية، لا سيما قطر ودبي والجوار الخليجي، تطلب الشجر المعمر لتزيين الصحراء وباحات المنازل والمنتجعات، وشجرة الزيتون لا تحتاج الى كثرة ماء، كما ان البعض من هذه الأشجار يهجر داخلياً من الجنوب مثلا الى بيروت، ليس خوفاً من قصف اسرائيلي او عدوان وحشي، بل ليتربع في حدائق القصور والفيلات مقابل أسعار مرتفعة، تصل الى حدود ألف دولار للشجرة الواحدة، فكيف يتم ذلك؟
يعمد المزارع الراغب في بيع أشجار الزيتون المعمّرة الى اقتلاعها مع جذورها بواسطة جرافة كبيرة، ثم تنقل بالشاحنة الى أحد المشاتل الذي يعمل على توضيبها ويعتني بها جيداً لتبقى على قيد الحياة الى حين وصولها الى بلدها الجديد عبر شحنها بواسطة البرادات لتسلم الى أصحابها الجدد «وفق الطلبية» المشار اليها والتكاليف المتفق عليها.
ويقول أحد أصحاب المشاتل أن من “يسمسر” له بالبيع هم أخوته الموجودون في الدول العربية، وهم يؤلفون هناك فريق عمل لإعادة الزرع والعناية والاهتمام بالاشجار فور وصولها، كما ينفذون أعمالا كاملة متكاملة وفق العرض والطلب. إنها تجارة، ولأنها تزداد يضيف صاحب المشتل، قائلا: “نحن نرصد أي منطقة فيها زيتون وتتم أعمال البناء. عندما يبدأ الحفر، نتدخل ونشتري الأشجار ونراقب عمليات اقتلاعها من الأرض، وكلما كانت الشجرة معمرة ارتفع سعرها، ليصل أحياناً الى حدود عشرة آلاف دولار أميركي للشجرة التي يزيد عمرها عن مئة سنة وما فوق. ولهذا أيضاً بدأنا نستورد أشجاراً معمرة من الدول المحيطة بنا، نشتريها ونبيعها”.
بعض المزارعين لهم نظرة أخرى في الأعمال التي يقومون بها، فيؤكد أحدهم «أن الشجرة المعمّرة مكلفة وتتطلب الكثير من العناية وتكلف أكثر من غيرها، فأغصانها عالية وجذعها كبير، تأخذ مساحة واسعة من الأرض، وتقليمها صعب وجني محصولها مكلف. لهذا نعمد الى اقتلاعها وبيعها ونجدد البساتين بعد ذلك بغرسات جديدة قد تكون أربع او خمس زيتونات مكان الزيتونة الواحدة المقتلعة”.
واذا لم يكن هناك سوق لبيع الأشجار؟ يجيب قائلا “ما كنا اقتلعنا الشجرة، كنا زرعنا قربها أشجاراً جديدة لحين تبدأ هذه الأشجار إعطاء الثمر، وبعدها نقوم باقتلاع الهرمة ونبيعها حطباً للتدفئة، فيما البعض يعمل على استعمال جذعها للتزيين المنزلي او في الحديقة، لكن البعض يرى في الزيتونة غير ما يراه الذين يبيعون الشجر. ففي فرنسا وجد شاب لبناني، كما يقول أهله، خيراً من الزيتون ما لم نجده نحن عبر مئات الأعوام. ويروون التفاصيل، فيقولون انه في احدى السنوات، قبل أحد الشعانين، اتصل بهم ابنهم من فرنسا طالباً ارسال مستوعب كامل من أغصان الزيتون الصغيرة الموضبة في شكل حازم لا يزيد عدد كل حزمة عن عشرة قضبان، ليصار الى عرضها في احدى السوبرماركات في العاصمة باريس، بعدما طلب منه صاحبها ذلك لكي تباع يوم أحد الشعانين، فيباركها الناس ويحفظونها في بيوتهم. ولما كان عند الأهل حقول زيتون واسعة وهم يقومون بأعمال التقليم، وبدل أن يحرقوا النفايات من الأغصان المقطعة عملوا على تنفيذ ما طلبه ابنهم، فأرسلوا اليه بدل المستوعب الواحد مستوعبين ظناً منهم ان ابنهم لا يفقه ما يفعل، فكانت النتيجة أن بيع مستوعب في باريس وآخر في الضواحي، وفاق المردود الخمسين ألف دولار أميركي، كانت تذهب في البساتين حرقاً وهدراً. ومذذاك التاريخ والتجارة هذه مزدهرة وتعطي أفضل النتائج.
انه العقل اللبناني الفذ والخلاق، والضائقة الاقتصادية التي تشد الخناق تفرض الحاجة وتدعو الى الاختراع والابتكار. ولهذا فإن كل شيء وارد في هذا الزمن الاقتصادي الرديء… طوني فرنجية . عن جريدة النهار .