هودي خطيْ لأمي
سهرات الرجال في حارة العين عامرة في بيت أبي نجيب يوسف سكر ( 1887 – 1940 ) – وهي أسرة إندثرت في برجا – فحافلة بنوادر الحكايات وطرائف النكات . كان محمد علي قاسم سعد ( أبو محيي الدين جد نور يزبك سعد ) نجم تلك السهرات بروحه المرحة وخفة دمه ، فتعجب الساهرين أخباره ، ويطيب لهم سماع أقاصيصه . ومما يروى عنه هذه الحكاية : رجع يوما ً إلى بيته في حارة العين حين الغداء ، وكانت زوجته قد فرغت لتوّها من تحضير الشوشبراك ، فلاحظ صحنا ً صغيرا ً في زاوية ، بينما في الأخرى جاط كبير إلى جانبه عدة أرغفة ، فسأل عن الكبير والخبز ، فقالت أم محيي الدين بانكسار : ” هودي خطيْ لأمي ” ، ثم أتبعه بسؤال عن الصغير ، فردت بنفرة وحدّة : ” هودي لأمك ” . حينئذ طار صوابه وثارت ثائرته ، فأخذ يرمي الصحون واحدا ً تلو الآخر لتستقر في أرض جاره أمين دمج ( الكابوس ) حتى لم يبق في البيت من طعام زوجته شيء يُذكر .
هرع الجيران إلى بيت أبي محيي الدين حين علا صراخ امرأته يسألون : ما الخبر ؟ هي تقول : ” يا عالم سألوه ليش عامل هيك ” ، وهو يطلب منهم الجلوس ليخبرهم بحكايته :
بتصبّ لأمي ، حرمتي ، بصَحْن الزغير … ولأمها بتصب بجاط الكبير
قمح حوراني بتستـُف لأمها … وعامَيمتي بتستكتر رغيف الشعير
يا نار قلب الأم ، عا أولادها … بتضل ليل نهار ، هيّا وعالسرير
لِمّن ولدها بصير بسن الزواج … تجي المرا اللي تريدلها عمر القصير
وكان الجمع الساهر يضم درويش عبد الرحمن الشمعة ( 1877 – 1962 ) والد الشعار ، الذي حاك الشراشف والمناشف في منزله بأعالي حارة العين ، تساعده زوجته سعدى سليم دمج ( 1877 – 1965 ) بالتسدية وإعداد المواسير . ومن بينهم أحمد درويش أبو مرعي دمج ( 1877 – 1948 ) الذي اشتغل بحياكة الشراشف في منزله هو وابنه علي ( 1910 – 1987 ) وذلك قبل أن ينصرف إلى النجارة ، وفيه قيل المثل ” دقَّة الحاج علي ” . يتبع .
من كتاب الحياكة البرجاوية للشيخ جمال بشاشة .