كان الناس يرمون للكبتول المصاري على نولها
” الكبتول ” أمينة عبد القادر الجنون ( 1870 – 1940 ) بهذا اللقب عُرفت . عاشت وحيدة وماتت وحيدة ، وكأنها خُلقت من أجل نفسها . في حارة العين سكنت ، في غرفة ما زالت إلى الآن تـُعرف بغرفة ” الكبتول ” ( العقار 2273 ) ، وهي اليوم لورثة عمر سعيد طالب الشمعة … قضت حياتها حائكة لا تحفل بعمل آخر ، سعيدة هانئة . اشتهرت بجودة إنتاجها من الديما ومن قمصان وتنانير حتى أصبحت مقصد أهل القرى الشوفية ، يحملون إليها زيت الزيتون والعنب الأبيض البلدي حتى يحظوا بشراء ما أبدعته من إنتاج .
يقول نساء زمانها : ” كان الناس يرمون للكبتول المصاري على نولها ” . طارت شهرتها في الآفاق حتى قيل : إنّ أحد المتاحف في فرنسا يحتفظ بقطع من حياكتها (؟) . ربما ، فالفرنسيون منذ أيام الأمير فخر الدين المعني الكبير ، كما يجمع كبار السن ، يفدون إلى صيدا وبرجا ويحملون إلى بلادهم ما أنتجته الأنوال البرجاوية .
كانت الكبتول قصيرة القامة ، ذات نظرات حادة ، وصوت جهوري ، وكانت تتمتع بهمّة عالية ، ودأب على العمل المتقن ، حائكة بارعة . كان الشنتيان لباسها الدائم وهو عبارة عن بلوزة تتصل بشروال واسع قصير مزموم شبيه بما يُعرف اليوم بـ ” الجيب كيلوت ” .
كانت عصبية المزاج ، حادّة الطبع . إلتقت مرة بعبد الغني شبو ، وكان راجعا ً من الفلاحة ؛ الطريق ضيّقة ، وبقراته ترعى العشب على جانبي الطريق ، وهو يقف وراءها مسرورا ً . الكبتول مستعجلة تريد أن تمرّ . إنتظرت قليلا ً ريثما يسوق أبو سالم بقراته ، لكنه لم يعبأ بها . وعندما طال وقوفه ، صرخت به : ” يا عمي حيّد بقراتك من الطريق ، بدنا نمرق ، العمى ” ، فنظر إليها بغضب ، وهزّ المساس وقال لها بنبرة حادة : ” ليكي ، لا تعيّطي كتير … حيث كان ما برفع باطي عليكي ” ، وهو يقصد أنه لا يحتاج في ضربها إلى رفع يده لأنه أقصر منه ، ثم نهر البقرات وأفسح للكبتول فمرّت بسلام .
على باب غرفة أمينة الجنون كانت نسوة الحي يتجمّعن غروب كل يوم . هناك تنعقد الأمسيات ، ويحلو الكلام في تلك الليالي الغابرات ، يتداولن أخبار اليوم الذاهب ، حيث للكبتول أكثر من مشكل صباح مساء . يكفي أن تمرّ صبيّة من أهل الحارة كاشفة عن رأسها ليقع المشكل ويتجمهر الناس : ” يا بنت ، يا بلا ذوق ، يا بلا تربية ، ما في أهل يضبوكن ” ؛ بهذه العبارات كانت تلحق بالبنات وتؤنبهنّ .
المرجع : كتاب الحياكة البرجاوية للشيخ جمال بشاشة .