الشيخ عبد الرحمن الخطيب
هو الشيخ عبد الرحمن الخطيب، إمام من أئمة برجا وأعلامها السابقين 1845-1939. عاش فيها كبيراً من أكابرها، ورحل عنها عالماً ورعاً ونبيلاً من نبلائها. هو من الثلة المباركة الذين كانوا يمثلون القيم الفاضلة التي تصون بهاء الحياة، أولئك الذين نقرأعنهم، أونسمع بهم، أو نشم عبيرهم، والذين نهبهم الحب والتوقير. كان الشيخ عبد الرحمن الخطيب مقرئاً وحافظاً للقرآن الكريم، شغل به فكره، وقصر جهده على ترتيله وكتابته، وكان ذا صوتٍ شجيٍ عذب. سكن دير القمر رَدَحاً من الزمان وأقام فيها إماماً لجامعها ومؤذناً وخطيباً في الجمع. ثم خلفه ابنه محمد في الدير حين عاد إلى برجا يؤتم به في الصلوات.
صاحب القلم والدواة، فخطّ بيده عدداً من المصاحف الشريفة لم يبق منها إلا واحد عند حفيده منير-أبو وهيب- مواليد العام 1914، ختمه بدعاء رقيق ومؤرخاً لنفسه: عبد الرحمن الخطيب كان مولده صباح نهار الجمعة الواقع في 27 رجب سنة 1264 هـ . وكان زفافي على السيدة أسما ابنة السيد عمر أفندي الخطيب في 4 شعبان 1292 هـ وعمري 27 سنة. كما أرّخ لرحلة قام بها إلى الشام “كان توجهنا إلى دمشق الشام العامرة في 9 ربيع الاول 1352 هـ، زرنا المقامات الشريفة مقام سيدنا محيي الأكبر قدّس الله سره والسلطان صلاح الدين ومسجد بني أمية الأموي الشريف وزرنا مقام الشيخ محمود أبو الشامات” كما دوّن تواريخ ميلاد أولاده وأحفاده ووفاة ابن خاله الشيخ عبد القادر سعد مختار برجا ليلة الجمعة الواقع في 28 جمادى الثانية 1348هـ. أما المصاحف الأخرى فقد بعث بها الشيخ إلى الجامع الأموي بدمشق والجامع العمري الكبير ببيروت وجامع برجا الكبير. كما أهدى طبيباً- لم نقف على إسمه- عالجه بسحب الماء الزرقاء من عينيه مصحفاً كتبه وهو في الثمانين من العمر.
ربطته صداقة بسماحة مفتي بيروت الشيخ مصطفى نجا- المتوفى عام 1932- الذي كان يجلّه ويحترمه ويعرف قدره في الناس. ويدعوه إلى الإمامة كلّما حضر معه الصلاة في الجامع العمري.كان الشيخ عبد الرحمن ظاهر الوقار، كثير الصمت، دائم الذكر، شاذلي الطريقة. إقترن بنسيبته أسماء عمر أفندي الخطيب فولدت له محمد وأحمد. وبعد وفاتها تزوّج حليمة حميّة التي أنجبت له توفيق. كان الشيخ باراً بالأباء وحفيّاً بالأولاد، يتودّد إلى الأحفاد ويلاطفهم ويؤاكلهم فإذا سّئل عن ذلك قال: من أكل مع مغفور له غفر الله له. سكن جوار مسجد برجا الكبير في العقار الذي يشغله اليوم الأستاذ علي كامل الخطيب حيث كانت عائلته تربّي دود القز.
عام 1939 توفي الشيخ عبد الرحمن الخطيب، وكان أواخر عهده بالقرآن من سورة الرحمن، القرآن الذي كانت حفاوة الشيخ به تفوق كل نظير، فهو نور الأحياء ومداد العلماء، الذي هم ورثة الأنبياء، فأنهم لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً، ولكن ورّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر. بعد أن فاضت روح الشيخ إلى بارئها رثاه ابن عمّه الشيخ أحمد عمر الخطيب فقال:
يا مثال الصلاح والزهد طراً وكبير الإيمان سراً وجهرا
عشت عبداً لله في كل حالٍ وبحفظ الزمام قد متَّ حرا
عشت تبدي السلام قولاً وفعلاً ما رأيناك مرة تبدي شرا
عشت فوق التسعين عاماً تقياً طائعاً ما عصيت لله أمرا
عشت فوق التسعين شيخاً جليلاً أينما سرت زادك الله فخرا
عشت فوق التسعين خير إمام تشرح الصدر عندما كنت تقرا
قد عبدت الرحمن طفلاً وكهلاً وعجوزاً تستدرك الفرص ظهرا
لم تفتك الصلاة ليلاً وصبحاً لم تفتك الصلاة ظهراً و عصرا
قد عرفناك فاضلاً وصبوراً عابداً ساجداً إلى الله شكرا
واختبرناك واسع العقل حتى كنت طول الحياة تزداد خيرا
كنت في عهدك الأخير رزينا ثابت الرأي سابق الكل فكرا
تتمنى شهر الصيام طويلاً لتؤديه كاسباً منه أجرا
يا محب الصلاة والذكر أبشر بلقاء الرحمن تبلغ نصرا
يا محباً لأشرف الخلق طه سيد الرسل والملائك طرا
يشهد الكل في صلاحك صدقاً وبقلب ما كان يحمل وزرا
ما دهتك المنون حتى شعرنا بفراغ أثار في القلب جمرا
بفراغ أجرى الدموع دماء بفراغ أناخ للحزن ظهرا