لماذا تنتصر هذه الثورات ؟
كتب د . إلياس عبد السلام البراج : لماذا تحتفل الشعوب وتنتشي بانتصار الثورات ولو كانت على غير علم بما سيأتي بالمستقبل ؟. لماذا اكتفت الثورة في كل من تونس ومصر بالقول للحاكم وحزبه ونظامه ” إرحل ” ولم تتفق على برنامج أو تحدد البديل ، فكانتا تلحّان بالتغيير ولا تخشيان الفراغ أو الفوضى ؟.
إنها ظاهرة جديدة في مسار وتاريخ الثورات العربية لا تفسير لها سوى في تفاقم الوضع العربي العام وتناقضه الصارخ مع ثقافة العصر ، وهو ما ينطبق على معظم الدول العربية بشكل أو آخر ، وخاصة التي تسود فيها : أنظمة وزعامات عجزت عن بناء دولة ومواطنة وأفسدت المؤسسات ، تشهر في وجه خصومها سلاح التخوين والترهيب من الفوضى وتحتمي بلواء الغيرة على الاستقرار والسلم الأهلي والنظام العام .
أنظمة وزعامات ترهق بلادها وشعوبها بديون بعشرات مليارات الدولارات فيما تزداد ثروات المسؤولين وسرّاق المال العام والممتلكات العامة ، البحرية والبرية والجوية ( الأثير) والقابضين على المشاريع والمناقصات والمزايدات.
أنظمة وزعامات لم تنصر مظلوماً ولم تحرّر أرضاً ولم تبن مجداً رغم صرف المليارات وصفقات كل أنواع العتاد والسلاح والميزانيات السرية وجيوش المخبرين والمخابرات .
أنظمة وزعامات تستكثر على شعوبها ومواطنيها الحق الطبيعي بالحرية الفردية فيما تجيز لأربابها وميليشياتها وزبانيتها كل انواع الجرائم والتعديات والموبقات .
زعماء يركبون على ظهور دول وشعوب وطوائف وعشائر ومناطق، تارة باسم الأكثرية وتارة باسم الأقلية ، تارة باسم الحرب وتارة باسم السلام ، تارة باسم العلمانية وتارة باسم الدين ، تارة باسم الطائفة وتارة باسم الحزب وتارة باسم الزعيم .. وفي لحظة الحقيقة تكتشف جماهيرهم بأنهم جميعاً ليسوا سوى صغار ينتظرون دورهم في صالونات انتظار أسيادهم ، أو مجرد ضباط تقارير وارتباط ، ومرتزقة سياسة وتجارة ، لدى ملحق أو ضابط في إحدى السفارات ، أو لدى إحدى الجهات المانحة للنفوذ والمساعدات.
أنظمة يضيق عيش الشعب في ظلها حتى يقف بالملايين ، شباباً ونساء ورجالاً وأطفالاً ، أمام أبواب السفارات أو يرحل بالمفرق على قوارب المهربين والموت الليلي مفضلاً النجاة من هذه الأنظمة ومعللاً النفس بأمل الرسو على شواطئ قارات أخرى لا يمت لها بصلة جوار أو لغة أو دين أو قومية ..
أنظمة وزعامات تتشاطر في معارك الديكة في حظائر كيانات اسمها أوطان ، تتناتش المصالح والرشاوي والوظائف ومناطق النفوذ ..
أنظمة وزعامات كرتونية ، تعيش على خوف الأتباع وجهلهم وإفسادهم وعماهم وتنازلهم عن حقهم في الحياة الكريمة ليصبحوا أدوات حقد وكره فيما بينهم ، وكأن بهم ارتضوا ، أن يولدوا ويعيشوا ويموتوا ضحايا نزوات وأطماع زعامات ومافيات وعصابات تحكم لتتقاسم المصالح والقصور والبنوك والمواكب وملاهي الليل وصالات القمار .
أنظمة وزعامات هشّة في حقيقتها يمكن أن تنهار بغمضة عين على يد ” زمرة ” شباب أحرار لم تنتظر إعلاماً مشوهاً ومثقفين تائهين متعبين ، وأمن يستبد بالضعفاء ، وقضاء ناقص الثقة وأحزاب غطاها الغبار .
لقد أسقطت ثورة مصر ، وقبلها ثورة تونس ، فزاعات الخوف من هذه الأنظمة ووهم الزعامات التاريخية وكذبة” القائد الضرورة ” ، ومعاً أسقطتا أساطير الحزب الذي لا يهزم ، والشرطة المستبدة الفاسدة التي لا تقهر. لقد سقطت أوهام التهويل بمخاطر الفوضى والتحذير من انهيارالمؤسسات ومن تفسخ الوحدة الوطنية ووحدة الطائفة ( وكل الوحدات ) ومن ” كيد الكائدين وشماتة الشامتين “.
لقد أثبت الثورتان أن شعوبنا بحاجة ماسة لجعل كرامة الإنسان وحريته وحقوقه الأساسية أياً كان انتماؤه وتفكيره ، ثقافة جديدة لا يستقيم بدونها أي إصلاح ولا تبنى دولة قوية ولا تكسب معارك مقاومة وتحرير وتوحيد ، ولهذا تحولت إلى محركات انتفاضة – مجهولة القيادة والمصير – تنتشر مثل النار في الهشيم وتحرق ” شيطان ثلاثي السلطة والنفوذ والمال ” وتُنبئ بــ : عصر عربي جديد ومقاييس جديدة للفكر والسياسة والجماعات والأفراد . نقلاً عن موقع إقليم الخروب والجوار .