أيام رمضان في برجا أيام الخير
كتب الأستاذ أحمد سليم عزام : أول يوم في رمضان ينزل الناس إلى السوق ، يشترون حوائجهم من اللحوم والخضار
والفواكه وغير ذلك من الأشياء التي تلزمهم لتحضير طعام الأفطار.
وأصحاب الدكاكين كثيرون في برجا الشوف ، بعضها للحبوب والسمانة ، وبعضها للخضر والفواكه ، كما أن بعضها تباع فيه السمانة والحبوب إلى جانب الخضر والفواكه . من أبرزهم عبدو الشمعة وأولاده ( محمد جلّول وعبدنّو ) ، أحمد البراج وابنه علي ومحمد سعيد البراج ( أبو طامع ) درويش أمين البراج ( الباشا ) من هؤلاء التجار : أمين عبده شبو ( أبو سمير وابن أخيه عبدو ) وأحمد غصن ( أبو علي ) هؤلاء ( دكنجية الزقزوق ) . وفي أول طريق الروس – الديماس كان محل أحمد حسن الشمعة وبعده دكان علي السيد . هذا عدا عن البسطات والبائعين المتجولين من خارج برجا.
كما أن الأرامل كن يتجوّلن في أحياء البلدة وهن يحملن الفاكهة والخضار على رؤوسهن قبل أن يتخذن قبو عباس عنتر في الزقزوق مكاناً ثانياً لهنّ ، وهؤلاء الأرامل هنّ : نظيرة الحولة والدة علي حنقير ، وحفّوظ والدة ممدوح شبو ، وزادة والدة سعيد أبو خشفة ، ورشود والدة خليل حدادة ، وسعدى أبو دقن والدة خالد الشمعة . هؤلاء الأرامل كن يملأن الزقزوق حركة لا تهدأ وحيوية لا تتوقف بندائهن وصياحهنّ .
المسحّراتي
أو (الطبّال) هو من يقوم بمهمّة إيقاظ المسلمين في فترة السحور . وقد قام بهذه المهمة في برجا عدد من الأشخاص ، سمعنا أخبار القدامى منهم من كبارنا وعجائزنا وعرفنا البعض الآخر في طفولتنا وفي شبابنا .
من أقدم هؤلاء ” الطبالين ” درويش الغوش المعروف (بدرويش حوّا) – يقول كبار السن : إن درويش حوا كان يجول في أحياء الضيعة ، متنقّلاً في زواريبها الضيقة وبين بيوتها الترابية المتواضعة ، وكان قوي الصوت ، ينادي أرباب البيوت بأسمائهم وكناهم (جمع كنية) ولا ينسى أحداً منهم . ينادي فيمزّق نداؤه سكون الليل الذي ران على الضيعة : يا غافلين وحّدوا الله ، يا غافلين سبّحوا الله ، ويتردد صوت طبلته أصداءً تتسلل إلى آذان النائمين ، فيستيقظون ويتهيأون للسحور.
ويُقال : إنه كان ينادي المسلمين في الجية وفي بعاصير من على هضاب التربة ، ويخترق صدى صوته الأجواء فيسمعونه في تلك القرى بوضوح تام : قوموا إلى سحوركم ، جاي النبي يزوركم .
وممن عرفناهم من الطبّالين في الثلث الثاني من القرن المنصرم : أحمد سعيد الغوش المعروف ب (أحمد الصلّول)كنا نستيقظ على صوت طبلته ، وعلى نغمات صوته الشجيّ ، وهو يدعو الناس إلى هجر الفراش وإلى توحيد الله وتسبيحه ثم إلى تناول السحور ، لأنه سنة نبيّنا عليه الصلاة والسلام .
تنبّهوا من نومكم يا نيام يا صائمين شهر رمضان الكرام
تنبّهوا ونبّهوا أولادكم وتسحّروا سنة الهادي عليه السلام
كنا ونحن صغار ننتظر مرور هذا الرجل بشوق زائد ، يدفعنا الفضول إلى رؤيته ، فنقف أمام النافذة نشرئب بأعناقنا ، ونتأمله وهو يسير بخطىً وئيدة ينبّه النائمين والغافلين قائلاً : يا نائمين وحّدوا الله . يا غافلين سبّحوا الله .
كنا نصغي إلى هذا الإيقاع الرتيب وإلى نبرات الصوت المؤثر يتردد صداه في هدأة السحر . كان يقف على تلة (البلايط) وينشد بعض الأناشيد والتواشيح والمدائح النبوية ، وكان حسن الصوت ، يشد السامعين إلى الإصغاء والتأثّر , يقول :
لما توفى النبي يا ما بكت سادات
حزنت ملوك السما والعرش لما مات
والصالحين يا محمد نصبوا لك الرايات
والعرش من هيبتو زيّن سبع سموات
ثم ينادي أهل كل حيّ بأسمائهم في الروس والديماس وفي المهاوي والمعبور وفي القلعة .. وبعد كل نداء يضرب على الطبلة ثلاث ضربات متتابعات ويأخذ بالإنشاد , فنتهيّأ لتناول السحور ونتحلّق حول طبق من القش ، عليه أطعمة خفيفة مثل اللبن واللبنة والجبنة والقمر الدين والمهلبية ، فنتسحّر لأن في السحور بركة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم .
كان البعض يزيد على وجبة السحور مأكولات أخرى مثل الطبخ والبيض والسلطة والفاكهة . لم يكن في الأرياف راديوات ولا تلفزيونات حتى ولا ساعات في بعض البيوت ، فكان يُشكل عليهم وقت الإمساك عن الطعام بل كان الدليل عندهم الآية الكريمة : ” وكلوا واشربوا حتى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأْسود من الفجر” .
في البيوت البعيدة عن الجامع الكبير ، والتي لا يسمع أهلها صوت المؤذّن إلا قليلاً ، يعتمد الناس على دوي طلقة المدفع في صيدا . أما في الضيعة فكان الأذان يرفع من على مئذنة الجامع الكبير ويتجاوب صداه في محيط البلدة ويسمعه الغادون إلى حقولهم في منطقة الكروم وغيرها .
يقول كبار السن : إن الشيخ أمين شبو ( أبو مرشد ) كان يؤذن الصبح ويقدّم الإبتهالات والتواشيح ، فيسمعه الناس من مكان بعيد ، فتنشرح صدورهم وهم يسمعونه يقول :
قم من منامك وازرع خير تحصده يا زارع الخير في الشدّات تلقاه
مضى زماني وما قدّمت من عملي فيا خجلتي من الرحمن كيف ألقاه
ومن الطبّالين الذين تعاقبوا بعد أحمد الصلول : أحمد أبو خانة الملقّب ( بالديدوني ) وخالد محمد الشمعة ونايف سعيد شبو ( أبو نمر ) وعثمان محمد دمج المعروف ( بعثمان الحلوة ) ثم أبناء كرم حمية محمد وأحمد رجب حمية ( ديبة ) وإبراهيم عزام ( إبراهيم كوكب ).
ولما لم يعد أحد يرضى القيام بهذه المهمة تطوّعت مجموعة من الشبان للقيام بدور المسحّراتي ، ولا تزال حتى اليوم ، تجوب أحياء الضيعة ، تنشد الأناشيد الدينية على وقع قرع الطبل فيستيقظ النائمون من نومهم ويستعدّون لتناول سحورهم .
التوديع
في الأيام الخمسة الأخيرة من رمضان في برجا الشوف يبدأ البرجاويون يودّعون شهر الصوم المبارك . ولا يختلف التوديع عن التوحيش إلا في بعض الكلمات التي تستعمل في الوداع مثل : فودّعو … ثم قولوا له ….. يا شهرنا هذا … منا عليك السلام .
ليلة القدر
ليلة القد , وما أدراك ما ليلة القدر ؟ إنها ليلة مباركة حري بالمسلمين أن يحتفلوا بها لأنها خير من ألف شهر . أمّا في برجا فإن الإحتفال بهذه الليلة كان بسيطاً في طريقته مهماً في غاياته ومقاصده ، كان المؤمنون الصائمون يعتكفون في الجامع يتلون كتاب الله ، يقومون الليل ، يتبتلون إلى الله ، يدعونه تضرعاً وخفية ، يرجون العفو والمغفرة . فمن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه . لكن الذين كانوا يقومون هذه الليلة كانوا قلة من الشيوخ وكبار السن . وكان البسطاء يجهلون فضل ليلة القدر ، فأدخلوا في عقول الأولاد معتقدات خاطئة . فقالوا : أن الأشجار جميعها تسجد لله في ليلة القدر إلا شجرة التوت ؛ وأن من سهر ليلة القدر ، ومرت عليه هذه الليلة يزداد رزقه وماله وتطرح البركة في بيته ، ولم يعلموا أن فضل ليلة القدر يكون في إحيائها وقيامها والتعبّد فيها .
الله أكبر ليلة قدسية في الدهر وهي يتيمة الأدهار
نزل الكتاب بها على خير الورى وسنا البصائر فيه والأبصار
الذبيحة
يوم الذبيحة هو اليوم الذي يسبق عيد الفطر ، وسمي بالذبيحة لأن الجزّارين ينحرون فيه الخراف والماعز والبقر ، وذلك قبل طلوع النهار , فيتوجّه الناس إلى السوق لقصّ لحمة العيد .
وقد جرت العادة بأن يشتري كل إنسان من جميع اللحامين فهو يريد أن ( يُسبب ) الجميع . وبعض الناس يشترون ( الغمام ) رؤوس الحيوانات المذبوحة أو يشترون ( المعاليق ) ، ولا ننسى أن البعض ممن عندهم الخبرة في الذبح ، يغتنمون هذه الفرصة ، فيذبحون أمام الدكاكين ومفارق الطرق ، وأكثر هؤلاء ممن يقتنون الماعز ويعتنون بتربية الماشية .
الجزّارون
إن معظم اللحامين كانوا من آل ترو وآل رمضان ، بحكم تعاطيهم إقتناء الماعز وتربيته . وهم : سليم ترو وخليل الشمعة ( السوداني ) وكانا شريكين يذبحان في المحل الذي يستثمره اليوم فادي أْحمد الحاج أْول دار ضايع جهة الحاج سالم السيد ، ومنهم معروف رمضان وكان محله في دكان مصطفى الزعرت مكان مقهى سعد الدين دمج أْبو غالب ، ومنهم محمد أمين رمضان (أبو حسين ) في الزقزوق وأحمد معروف رمضان في دكان علي السيد ، ومحمد خليل الشمعة ( محمد السوداني ) ومصطفى ترو ( الوزير ) ونجيب الغوش وحسن رمضان وغيرهم . وكان بعض (المعّازة) يذبح في أيام الآحاد في قرى الجوار مثل الجية وجدرا والمعنية وغيرها .