يا رمضان هلّ هلالك
كتب الأستاذ أحمد سليم عزام : رمضان شهر مبارك ، ميمون الطالع على المسلمين ، جليل المكانة في نفوسهم وفي مجتمعاتهم وأقطارهم ،لذلك يستقبلونه بالأفراح والغبطة والتقدير والترحيب . ونقول بحق : إن هذا الشهر مبارك ، لأن هذا الشهر بالذات هو الشهر الذي أُنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان .
والمسلمون ينتظرون حلول رمضان بشوق جارف ، ويستقبلونه باسمين مستبشرين . لقد أيقنوا أن هذا الشهر يأتيهم كل عام بالخير والرضوان . ولذلك يكون لقاؤهم في غمرة الفرح والسرور ، وهم يتمنون أن يطول مقامه عندهم وبقاؤه لديهم ، وإلى هذا أشار نبينا عليه الصلاة والسلام : ” لو علمت أمتي ما في رمضان من الخير ، لتمنّت أن تكون السنة كلها رمضان ” . وكيف لا يتمنى المسلمون ذلك ؟ ورمضان هو الشهر الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار ” .
وها نحن نستقبل هذا الشهر الكريم ، والضيف العزبز الذي يشرق علينا كل عامٍ وفيه مواسم الرحمة والمغفرة والخير العميم .
فأهلاً وسهلاً بشهر الصيام ، شهر العبادة المخلصة ، وشهر المحبة والسلام والوئام .
رمضان أقبل ساطع الأنوار يهدي لدين الواحد القهّار
ومضى الهلال مبشّراً بقدومه أنعم بأكرم زائر ومزار
إن لكل بلد من بلاد الإسلامية عادات وتقاليد خاصة بشهر الصوم ، وهذه العادات والتقاليد قد تختلف من بلد إلى آخر ، في أساليبها وطرق أدائها .
الآن ونحن في شهر رمضان المبارك تعاودني الذكرى ، فأتطرّق لبعض الأمور التي قد تلقي ضوءاً ولو يسيراً على بعض العادات والتقاليد والشعائر التي كانت سائدة في برجا الشوف مطلع القرن العشرين الماضي حتى النصف الأول منه ، وأنا أطل على الماضي من نافذة كبارنا وعجائزنا ، ومما علق في ذاكرتنا في طفولتنا ، فحريّ بنا أن نتعرّف على ماضينا فيكون عملنا هذا ، صلة وصل بين الماضي والحاضر والمستقبل .
لا شك أن الناس في برجا الشوف كانوا كغيرهم من المسلمين يفرحون ويبتهجون لمقدم رمضان ، وأنهم كانوا يعدّون الأيام الباقية من شعبان ، وهم ينتظرون هلال رمضان بشوق زائد . وفي ليلة التاسع والعشرين من شعبان ، يصعد البعض منهم إلى أسطح المنازل ، أو يقفون على صعيد مرتفع وينظرون إلى الأفق ، يحدّقون في شفق الشمس الغاربة تتبدد أمام هجمة الليل ، يريدون رؤية الهلال ، فإذا ما شاهدوه ، هللوا وكبّروا وعقدوا النية على الصيام ، ” فمن شهد منكم الشهر فليصمه ” .
وكأني بهم يشاطرون الشاعر فرحته برؤية الهلال حيث يقول :
كبّرت باسم الله حين تلألأ في أفقه وقد استدار هلالا
وغدا بشهر الصوم وهو مبشّرٌ بقدومه ، ومضى يتيه دلالا
سعد الورى بلقائه فتطلّعوا لغدٍ أبرّ بهم ، وأسعد حالا
لمّا أهلّ عليهم احتشدوا له وقد ازدهى حسناً وفاض جلالا
إن كلمة (سبانة) لم تكن معروفة عندنا إلا في الثلث الأخير من القرن العشرين . وهي تحريف لكلمة ” إستبانة ” وتعني إلتماس رؤية الهلال وظهوره في الأفق ، وفقدت كلمة الإستبانة أو يوم الإستبانة معناها الحقيقي بعد أن حرّفت إلى ” سبانة ” وأصبحت مع مرور الزمن اسماً يُطلق على يوم راحة واستجمام وترويح عن النفس خارج البيت ، ويكون هذا اليوم أحد أيام الآْسبوع الذي يسبق شهر الصوم .
في الأيام القليلة التي تسبق شهر الصوم تبدأ في أسواق الضيعة حركة عادية ، حيث تكثر في الدكاكين والمحلات التجارية المواد التي تستهلك في رمضان مثل الأجبان والألبان والحلاوة وراحة الحلقوم والكعك والتمر والقمر الدين ، وهي تعرض بشكل بارز في واجهات الدكاكين المنتشرة على جانبي (شارع الزقزوق) المؤدي الى جامع برجا الكبير وعلى جانبي الشارع الممتد من ساحة العين حتى مفترق الطرق المؤدية إلى بيادر الروس وإلى حارة العين قبل فتح الشارع الجديد بين برجا والبرجين وتعتبر هذه المنطقة “الوسط التجاري” في برجا ، وهي تحتل حيّزاً هاماً في قلب البلدة . ” يتبع ” .