إسلاميون وحل فاشل
كتب الأستاذ حمد الماجد : ظاهرة الصراع الإسلامي الإسلامي في الصومال هذه الأيام وبالتحديد بعد انسحاب القوات الإثيوبية هي ذات الظاهرة في أفغانستان ، حيث دارت الحرب بين الفصائل الإسلامية بُعيد انسحاب القوات الروسية ، نزاع ، خصام ، تراشق ، سباب ، شتائم ، وضرب دموي تحت الحزام ، والضحية هو الوطن وشعبه – الصومالي البائس الذي ذاق منذ عشرين سنة ويلات الحرب تحت شعارات قبلية وإيدلوجية وشخصية وحزبية وأخيرا إسلامية ، صراع تستخدم فيه إلى جانب راجمات الصواريخ راشقات الأقلام وقاذفات المكروفونات ، من كان في المعارضة من الإسلاميين اتهم الإسلاميين الذين يصلون إلى الحكم بالعمالة للغرب وأمريكا وحتى إسرائيل ، فإذا وصل الإسلامي المعارض إلى الحكم دارت عليه نفس التهم فصار هو العميل الخائن القابض للمال الحرام الباسط يده لكل جهة مشبوهة .
وكعادة القاعدة التي تحشر أنفها في كل بلد مسلم مضطرب غير عابئة بمآسيه وجروحه وآلامه ، فقد تبرع زعيم التنظيم أسامة بن لادن فوجه نداء « إسلاميا » حارا دعا فيه الصوماليين إلى قتال الحكومة الجديدة برئاسة الشيخ شريف أحمد الذي ارتد على عقبيه ، حسب وصف بن لادن وتحول إلى كرزاي الصومال ، ولم يرأف قلب ابن لادن ولا المتعاطفين معه في الحزب الإسلامي والحركات الجهادية الصومالية للشعب الذي مزقته معارك أمراء الحرب والجهل والأمراض والتخلف عقدين من الزمن ، وينسى ابن لادن وقاعدته أن تقاطع المصالح الذي جمع « الإسلامي » الرئيس الحالي بأمريكا هو نفس التقاطع الذي جمع « ابن لادن » بأمريكا في خندق واحد يوم كان يقاتل معها على الثرى الأفغاني عدوا سوفياتيا مشتركا .
مهما حاولت الحركات الإسلامية تبرير هذه الصراعات في الصومال وأفغانستان أو تسويغها ، فالحقائق على الأرض تقول إنه فجور في الخصومة وصراع ميكافيلي آثم وفتنة مستعرة ، حيث تستباح المحرمات ويتحول الصديق بين ليلة وضحاها إلى عدو والعدو كأنه ولي حميم ، ويرفع قميص عثمان ، كل ذلك باسم الحمية الدينية ومناصرة الوطن والوطن هو الضحية .
وحتى في المنافسة السياسية ، لم يصل الإسلاميون إلى النضج السياسي في كثير من دول العالم الإسلامي لا أقول في الصراع السياسي بينهم وبين منافسيهم من التيارات الأخرى ولكن بينهم أنفسهم ، ففي الانتخابات البرلمانية الكويتية الأخيرة احتدم بين الإسلاميين بألوان الطيف ، إخوانا وسلفيين ومستقلين وقبليين ، صراع برلماني مرير يعرف كل أطرافه الإسلامية أن الخسارة فيه حتمية على الجميع ، فجاءت نتائج الانتخابات الأخيرة مخيبة لآمالهم جميعا ففشلوا وذهبت ريحهم لتهبّ كالنسائم العليلة في صالح خصومهم ، فتقلصت مساحة نفوذهم في مجلس الأمة وفقدوا بسبب نزاعهم فيما بينهم لاعبين مؤثرين في الساحة السياسية الكويتية ، ومع أنهم كانوا يخسرون بعض مرشحيهم بسبب صراعهم في نفس الدوائر الانتخابية في كل مرة تجرى فيه انتخابات برلمانية بسبب فشل جهود التنسيق فيما بينهم إلا إن نتائج صراعهم هذه المرة جاءت كارثية وموجعة وغير مسبوقة وعلى حساب المشروع الإسلامي الذي ينشده كلهم .
أنا أدرك أن لبعض التوجهات الإسلامية تجربة رائدة في العمل السياسي الناضج مثل تجربة ماليزيا وتركيا ، لكنها للأسف تجارب استثنائية وليست أصلا ، الأزمة عند بعض الإسلاميين في أغلب الدول الإسلامية والعربية أنهم يمثلون صوت المعارضة السياسية غير الموفَّقة ، وهم بممارساتهم فيما بينهم يقدمون نموذجا غير حضاري في التعامل مع آراء واجتهادات في داخل صفهم ، فكيف يتوقعون أن يضع الناس فيهم الثقة حين يتعاملون مع التوجهات السياسية الأخرى؟ ولهذا كانت خسارتهم في الكويت منطقية وطبيعية ، وفي الصومال سيتعرضون لخسائر أكبر ، ما لم يوطنوا أنفسهم على تغليب مصالح دينهم وأوطانهم على مصالحهم الشخصية والحزبية . المصدر : جريدة الشرق الأوسط .