من عربة الحنطور إلى الطمبر والموتور
كتب الأستاذ شفيق أحمد دمج : لم تعرف بلاد الشام عربات نقل تجرها الخيول قبل عام 1833 ، بل كانت الجياد والبغال والجمال والحمير هي وسائل النقل المعروفة في أرجاء بلاد الشام كلها . وكان أبناء برجا عامة ، كغيرهم من رعايا الدولة العثمانية ينتقلون إلى بيروت وطرابلس وصيدا ، وأحياناً إلى فلسطين مشياً على الأقدام ، أو على الدواب التي يقتنونها أو يستأجرونها لهذه الغاية .
وقد إشتهر الحاج علي يونس دمج الملقب ” بالطحش ” مواليد برجا 1844 – 1928 باقتنائه الجواد الأصيلة ، وعُرف وحده بنقل السياح والمسافرين الأجانب من بيروت إلى المواطن الأثرية والدينية في لبنان وسائر الولايات العربية المجاورة .
وكان مسؤولاً عما يشبه اليوم وكالة للسفر والسياحة ، ووثيق الصلة بشركات النقل في مينائي بيروت وصيدا ، يعاونه من أبنائه محمد ، ( والد أبو عوني ) وسعيد الملقب ” بالمهول ” وعدد من الأجراء والمستخدمين من صيدا وصور .
ولقد لُقب الحاج علي دمج بالطحش لأقدامه وجرأته وتقدمه على سائر قوافل السياح والمسافرين .
وكان كثيرون من أبناء البلدة يقتنون البغال والدواب كوسيلة لنقل الأمتعة من آل دمج والشمعة ( طالب ) والدقدوقي والزعرت والغوش . وأقيمت في أنحاء البلاد خانات ومحطات لاستراحة قوافل المسافرين في كل من خلدة والدامور ( ياروتة ) والسعديات ( الغفري ) والنبي يونس وصيدا وخيزران ( خان سعدى ) ومحطة اسكندرونة ، قرب البياضة ، والناقورة وصولاً إلى عكا .
أول عربة تجرها الخيول :
وفي عام 1833 ، أدخل قنصل بريطانيا في دمشق أول عربة تجرها الخيول الى بلاد الشام ، فاضطر الولاة العثمانيون إلى شق الطرقات لتسير العربات القليلة المستوردة .
وفي عام 1863 فُتحت أول طريق معبدة بين بيروت ودمشق ، فنشطت حركة النقل بالعربات .
وفي عام 1880 بوشر بفتح الطرقات شمال بيروت وجنوبها ، ثم إستمر العمل إلى عام 1901 ، حينما فتحت طريق للعربات من جامع المصيطبة إلى كل من برج البراجنة مروراً بحرش بيروت الأوزاعي .
وفي عهد المتصرف مظفر باشا ( 1902 – 1907 ) شقت طريق بين معلقة الدامور ( بعد جسر الدامور القديم ) وصيدا ثم اتصلت ببيروت مروراً بالحدث . وكذلك شقت طريق برجا الجية .
ولعل المناسبة دفعت بالمتصرف مظفر باشا إلى المجيء إلى برجا وزيارة عمر أفندي الخطيب ، عضو مجلس إدارة جبل لبنان آنذاك .
والعربة ، وقد سُميت بالبوسطة ، هي غرفة خشبية تشبه صندوق سيارة بيك آب ، مصنوعة من ألواح رفيعة متباعدة ، تثبت على أربع عجلات ، ولها نوافذ وستائر وتغطى بقماش عازل يقي المسافرين تقلبات المناخ صيفاً وشتاء . تجر العربة الجياد ويقودها حوذي ويساعده سايس ، سعرها 45 ليرة ذهباً وتتسع لعشرة ركاب على الأكثر .
وكان يُشترط في الحوذي ( العربجي ) ، ولم يكن برجاوياً ، أن يكون قادراً ماهراً في إجتياز طريق برجا الجية وفيها 13 منعطفاً حاداً ، كان أصعبها ( كوع البطنة ) قرب الجسر القديم ، و ” كوع اللوزة ” قرب البئر الأرتوازية ( الحمرا ) . وقد فرض العثمانيون الضرائب مقابل صيانة الطرق ، ووضعت قوانين صارمة لتنظيم السير ولحماية المسافرين وسلامتهم .
ولقد كان عدد العربات متناسباً تقريباً مع عدد سكان برجا البالغ 638 نسمة عام 1898 بالإضافة إلى أهالي المرج التابعين لها وعددهم 14 نسمة .
هكذا نشطت حركة النقل بين برجا وبيروت وصيدا ، إلى جانب شركة النعماني التي سيّرت أربع رحلات بين بيروت وصيدا آنذاك .
بعد فتح طريق برجا الجية ، خرجت البلدة من عزلتها فاشترى محمد دمج ( 1872-1944 ) إبن الحاج علي دمج ” الطحش ” ووالد أبو عوني ، عربتين تجرهما ستة من خيول أبيه الأصيلة ، وسيرهما بين برجا وصيدا ( الخان محل الحسبة القديمة ) وبيروت ( خان الزهرية ) وكذلك نصر الدين حسن نصر الدين ( عربة الحصانين ) وعلي سليم الخطيب عربة بثلاثة خيول قادها بنفسه بالإضافة إلى عربتي حنطور للأخوين محمد خليل يوسف دمج ( الكعكي ) وعبد القادر لنقل الركاب ( سرفيس ) في موقف ساحة الشهداء في بيروت .
لم تحل العربة محل الطمبر الذي جعل لنقل الأمتعة والسلع على اختلاف أنواعها ، فقد كان له دور أساسي في صنع تاريخ العمران في بلاد التخلف والحرمان .
ولئن انقرض عهد عربات الخيول في بلادنا ، بإجتياح السيارة الحديثة ، فإن البقية الباقية من الطنابر لا تزال تنوء بنا وعنا ، تحت أثقال السنين الغابرة ، تحكي حكايا ماضينا التعيس .
وأما عربة الخيول ، فهي لا تزال في الغرب ، رمز ثراء وترف وإستعلاء وسلطان . ولم يكن في برجا سوى عدد قليل من الطنابر ، اثنان لمحمد دمج ” الطحش ” والد أبو عوني ، وطمبر واحد لكل من سعيد طالب الشمعة وعبد القادر الشمعة ( نعيم ) وتوفيق الدقدوقي وخضر ( ورد ) الغوش ، وأحمد نصر الدين .
ولطالما خففت تلك الطنابر عن الناس أثقالاً وهموماً ، غير التي كانوا يرزحون تحت وطأتها ، في أحلك أيام الدولة العثمانية العجوز الجائرة .
واضح إذن ، أن العثمانيين لم يشجعوا إستيراد وسائل النقل المتطورة ، فلم يواكبوا تسارع تقدم الآلة في أوروبا الثورة الصناعية . فيضعوا منجزات العقل الأوروبي في خدمة سكان الولايات العربية التي زادها حرمانها من دخول التكنولوجيا الحديثة إليها فقراً وتخلفاً .
وفي عهد المتصرف يوسف فرانكو باشا 1907 – 1912 أُدخلت أول سيارة حديثة إلى بيروت قادمة من الاسكندرية في 24 حزيران 1908 فاجتازت طريق بيروت – صيدا بساعتين وثلث ، مما أدهش الناس ، وكاد يذهب بعقولهم .
ثم سير آل النعماني ثلاث سيارات يومياً بين بيروت وصيدا ، وظلت العربات والطنابر تعمل إلى جانب السيارات التي لم يتجاوز عددها في لبنان حتى نهاية الحرب العالمية الأولى مئة سيارة فقط .
وعلى الرغم من سياسة الانتداب الفرنسي الجشعة العاتية فقد إنتسر إستعمال السيارات لتحل محل عربات الخيول .
وبعد إعلان الجمهورية اللبنانية عام 1926 ، وصلت إلى برجا سيارات الرعيل الأول من السائقين القدامى ، أمثال محمد أمين الجنون وشريكه عبد الحميد سعد عام 1926 ومصطفى عبد الرحمن الحاج بعد عودته من أمريكا ، ويونس القعقور ، وراجح شبو وجميل سراج ( همية ) وعبد الفتاح البربير وأخويه عبد القادر وعبد المجيد وعبد الجليل سعد ، ومحمد سعيد طالب الشمعة ، وأبو فوزي دمج وأخوه أحمد ، ومحمد أمين البراج .
أما أول بوسطة أدخلت إلى برجا فكانت لصاحبها الحاج علي دمج ( الحاراتي ) والد أبو فوزي وكانت بالبدء شاحنة صغيرة حول صندوقها إلى بوسطة تتسع لعشرة ركاب ، بشراكة عبد الحميد درويش سعد المتوفى عام 1957 .
ولا يزال أبناء برجا ، منذ عهد العربات حتى اليوم ، يواكبون التطور باستخدامهم مختلف أنواع وأشكال السيارات ، على الرغم مما تسببه لهم من شجون وأحزان .
المراجع : 1 – تاريخ صيدا الاجتماعي : د. طلال المجذوب . 2 – تاريخ لبنان في عهد المتصرفية : لحد خاطر . 3 – دليل لبنان ، ابراهيم بك الأسود . 4 – مقابلات شخصية .
جد شي بشرف والله انو بلدنا من الناس الي ركبو السيارات بلبنان … حبيبي يا جدي لما قرات المقال حسيت حالي طايري من الفرحه وحسيت وكان جدي بعدو عايش وموجود ربنا يرحمك يا جدي عبدالجليل سعد ويرحم شرفاء ورجال برجا الي كانو على ايامك …