حلت ركابك في برجا
كتب الشيخ جمال جميل بشاشة : في أثر الحوادث المشؤومة التي جرت سنة 1860 وعود الأمان إلى لبنان انعقد في بيروت مؤتمر دولي حضره المفوّض السلطاني للدولة العثمانية مع خمسة من وكلاء الدول ومفوضيها : انكلترا وفرنسا وروسيا والنمسا وبروسيا . كانت نتيجته تقارير رفعت الى الاستانة العليّة كانت أساساً لنظام لبنان الجديد الذي قرره السلطان عبد المجيد ورضيت به سائر الدول .
وأخص تقريراته أن تكون ادارة جبل لبنان بواسطة متصرف مسيحي من طرف الدولة العليّة ورضى الدول ، يقيم مدة معلومة أي خمس سنين أو عشراً ، ويكون مع المتصرف مجلس ادارة يتألف من اثني عشر عضواً من طوائف الجبل المختلفة . وبموجب هذا النظام تمتع اللبنانيون مدة خمسين سنة بالراحة والهناء في ظل العرش العثماني . ( مباحث علمية واجتماعية ) .
ولقد دأبت الدولة العثمانية منذ ذلك التاريخ على ايفاد المفوضين الى جبل لبنان للاطلاع على أوضاعه وبحث شؤونه . المفوض السلطاني بكري سامي وفي إطار مهمة في الجبل ونذر الحرب العالمية الأولى ترخى بظلالها على الشرق زار قرية برجا الشوفية فاصطف أعيانها وأهلها لاستقباله على ساحة العين .
شاعر برجا آنذاك مصطفى محيي الدين شبو رحّب بالمفوض العثماني بعد أن ألقى الشيخ أحمد أفندي الخطيب وعبد الحليم الحجار من شحيم كلمتين ، بقصيدة شعرية جاء فيها :
مولاي في مثل هذا اليوم بشرانا … لأن فيه الصفا والعز وافانا …
يوم فلا مثله الأيام قد ولدت … يوماً ولا ملئت بالأنس أوطانا …
حلت ركابك في برجا فصغت لها … عقداً من الفضل ياقوتاً ومرجانا …
ترى الشيوخ لديك الآن عاكفة … وقد غدت بعد خط الشيب شبانا …
نشكو إليك أموراً أنت تعلمها … فانعم ولا تحرم الراجين احسانا …
لا أبسط الحال في عرض وفي صحف … لمن يرى الحق في المحسوس تبيانا …
القسوري الذي خطت مناقبه … في صفحة الدهر آيات وبرهانا …
دلت على ذلك المعنى مكارمه … فكيفما سار كان العدل ميزانا …
الحق مشربه والفضل معدنه … والمجد منزله قد شاد بنيانا …
والحلم من طبعه ليث تظلله … سحائب اللطف عفواً أينما كانا …
يا أيها البطل المغوار دمت لنا … عزاً وعينك ياذا الفضل ترعانا …
قد خصنا فيك سلطان الورى فترى … ندعو بحفظك اسراراً واعلانا …
فاعلم بأنا سقينا حب دولتنا … مع الرضاع وأخلصنا نوايانا …
وتحت ظل السيوف الموت نحسبه … هو الحياة وفيه العز محيانا …
إنا بحب ابن عثمان ودولته … حياة أنفسنا نفدي ودنيانا …
محمد قاهر الاعدا رشاد ومن … أقام للدين بعد الهدم أركانا …
الوارث السيف والمخصوص في علم … عن سيد جاءنا من ابن عدنانا …
مولاي فاحفظه بالسر المصون كما … حفظت فيه ابن داود سليمانا …
وانعم بفضلك بالنصر العزيز على … جيش تجيش تركيا وعربانا …
أكرم بجيش يحاكي الأسد إن هجمت … وأشعلت موقدات الحرب نيرانا …
في كل ليث يخوض الحرب مبتسماً … شبيه باز سطا في البيد غضبانا …
مولاي مولاي عززه بنصرك ما … تلألأ الفلك بالأقمار وازدانا …
وانصر مليكاً علا كل الملوك ولا … تبق سواه من الأعداء سلطانا …
ويقال : إن المفوض السلطاني لشدة اعجابه بقصيدة الشاعر مصطفى شبو تناولها منه ونشرها في إحدى الصحف التي تصدر في استنبول بعد عودته الى عاصمة السلطنة ، ووصلت منها نسخة إلى برجا ، وقدأثبتناها هنا كما نقلها وضبطها أ. محمد درويش شبو عن عبد الرحيم سعيفان عام 1953 .