جدتي وأمي وأنا … وعدو لايرحم
كتب يونس شريف حمية : هذه قصة من أيام الإجتياح . إنها قصص لا يجب أن تبقى على الألسنة فقط نذكرها كلما مر على ذهننا أو أمامنا موقف مماثل ، إنها قصص لامست كل أحاسيسنا وتفكيرنا ونمت مع نمونا .
إنها قصص حفرت في ذاكرة من خبر ظلم وحقد العدو الصهيوني . في هذه القصة التي ستبدو عادية أمام قصص أخرى مع أناس اخرين , عانوا ظلم العدوان والعدو ، وأبوا أن ينسوا أن أصل البلاء في هذه الأمة هو العدو الصهيوني وليس الدولة الفلانية أو الحزب الفلاني أو إلخ ……… وحتى لا ننسى أو تنسينا المشاكل الطارئة من هو عدونا الأساسي والأبدي إلى أن تزول الأرض ومن عليها ، يجب أن نتذكر حتى أقل وأصغر القصص عن عدونا وإجرامه لأجيال تأتي ، يحاول البعض أن ينساها وأن يخلق لنا عدواً جديداً .
حدث أنه في يوم من الأيام كنا نزور جدتي ( عليا حمية ) في أرض كانت لها في كسار الخوري وهي أرض في أول برجا من جهة بلدة جدرا الساحلية ، وكانت الزيارة لها يومها عبارة عن يوم عمل شاق في سحب المياه من البئر لتعبئة البراميل لري ما كانت المرحومة تزرع من بقول وغيرها , فيومها لم يكن هناك كهرباء عندها ، ولم تكن تملك أدوات الري الحديثة ، وبعد نهاية هذا اليوم الطويل ركبنا مع جدتي على دابة بيضاء اللون وسلكنا الطريق التي تمتد اليوم من قرب مختبرات الحاج مروراً بالعيتاني وبمنزل أبو وحيد ترو وعبدو شبو ، والتي كانت عبارة عن طريق إجر ، كانت دبابات العدو قد عاثت فيها خراباً وتدميراً .
وأثناء مرورنا في محاذاة أراضي بلقيس وفي مكان منزل ابنها سعيد شبو اليوم ، كان الصهاينة قد رموا صناديق ذخيرة فارغة مصنوعة من الخشب على جنب الطريق فما كان من جدتي إلا أن أشارت بإحضار الصناديق للشعل أثناء الخبز على الطابوني أو على الصاج .
المهم أن الأمر نفذ ، ووضعت الصناديق معنا على ظهر الدابة المسكينة فاصبحنا أنا وجدتي والصناديق على ظهر الدابة وعندما وصلنا إلى ساحة بيادر الروس وضعت الصناديق في المنزل الذي أسكنه اليوم ، والذي كان في حينها أعمدةً وجدراناً فقط .
وبعد فترة وجيزة دخل العدو الإسرائيلي إلى البلدة وأذيع في المكبرات بأن تجمع الأسلحة على أنواعها في منازل المخاتير وأن ترفع الرايات البيض ( وقد رفع وقتها سراويل داخلية وفانيلات ) وأن تتجمع الرجال والشباب في حي البلايط قرب هبّور وبيت القاضي سعيفان في المكان الذي يوجد فيه السنترال اليوم .
في صبيحة هذا اليوم الذي طلب العدو التجمع فيه وبعد أن فرغت المنازل من الرجال جاء جنود العدو يفتشون المنازل بحثاً عن المخربين كما كانوا يصفون المقاومين ، وعندما دخلوا العمارة التي نسكنها ، وأثناء التفتيش علا صراخهم وبدأوا بأخذ إجراءات دفاعية من تلقيم للأسلحة وتوزيع للعناصر وأصبحوا بحالة قتالية .
ما الذي حصل ؟ لقد وجدوا في المنزل الصناديق التي أحضرتها جدتي معها وكانت قد نسيت أن تشعلها ، كما وأنهم وجدوا شوادر عسكرية كان أبي يستعملها للخيمة الصيفية على السطح .
وبعد ذلك صرخ أحدهم بالعربية : وين المخربين ؟ اعترفوا , وكان من بين الموجودين أمي وجدتي وأنا وأخي الأكبر المرحوم محمد . فما كان من جدتي إلا أن تقدمت نحوه وكانت تتكئ على عكازين ، وقالت له : مخربين ! باللهجة البرجاوية ، ورفعت عكازاً من عكازيها في وجهه وقالت له : ” شو في ، عشو عم بتعيط ، وطي صوتك ، نحنا هون كلنا نسوان وولاد ، قول شو صار حتى حدا شالكن وحط حدا تاني محلكم “؟ .
فقال لها : هالأغراض لمين ؟ قالت له : ” هودي لإلي ، أنا جبتهن للوقيدة أنا وهالصبي وأشارت إلي ” .
فما كان من الجندي ذلك الجبان إلا أن وجّه سلاحه باتجاهنا أنا وهي وقال لها : امش قدامي .وطلب منها أن تحمل الأغراض على ظهرها . والذي يعرف أم يوسف جدتي يعرف أْنها كانت جبارة ، ولكن ليس إلى الحد الكبير الذي تستطيع معه حمل ما طلب منها ، فهي معاقة على عكازين .
هنا قالت له أمي : حرام عليك . فقال لها : إذاً احمليهم أنت وابنك وامشوا معي . فحملت أنا الصناديق وكان عمري وقتها عشر سنوات وحملت أمي الشوادر على رأسها .
بكل ذلك الثقل والخوف والرعب على المصير توجهنا نحو نزلة نادي الديماس – البساتين باتجاه الضيعة ، ومشينا نزولاً إلى تحت منزل محيي الدين الغوش – حديناتو – نحمل أوزارنا .
وعندما وصلنا أجلسونا على جانب الطريق دون أن يسمحوا لنا بأن نضع ما نحمل على الأرض . وفي كل تلك المسافة ظل السلاح مصوباً إلينا . وفي هذه الأثناء كان يمر من أمامنا رجال يعرفوننا فيحاولون أن يكلمونا ، ولكن لم يكن يسمح لهم بذلك .
وبعد قليل أمرنا بأن نقف مع الأغراض وأن نتوجه باتجاه البلايط ، ونظرت لأمي فكانت تبكي تعباً وخوفاً خاصة وإنها لم تكن تعرف إلى أين المصير مع عدو غاشم لا يحترم كهلاً ولا حرمة ولا طفلاً ؟ حملنا أغراضنا ومشينا وكان المشهد مرعباً …
عندما مررنا من أمام منزل أبو الياس عزام كانت تقف سيارة باص كبيرة ، وكان الجنود بحالة استنفار كبيرة ، وكانت هناك سيارة جيب يجلس فيها عسكري صهيوني برتبة ، وكان يجلس بجانبه رجل مقنع لم أستطع التعرف إليه حينها ، وكان الرجال يمرون من أمام الباص ، وعند كل إشارة من الرجل المقنع يتم سحب أحد الرجال ووضعه في الباص وعندما يمتلئ الباص يذهب ، ولم أكن أعرف إلى أين وقتها ؟ ويأتي آخر مكانه ليتم ملؤه من رجال البلدة الذين كانوا يمشون بصف طويل طويل أولهم قرب الباص قرب منزل أبو الياس وآخرهم عند نقطة التجمع على البلايط عند هبّور .
ومشينا صعودا نحمل الأغراض وكانت ثقيلة جداً ، وكلما طالت المسافة ازداد الوزن وازداد الثقل وكبر الخوف , خاصة وأننا على طول الطريق والرجال تمر من أمامنا ويسألون أمي : ” شو في يا أم محمد ليش عاملين معكم هيك شو صاير ؟ الخ….” من الأسئلة التي لم تنته والتي لم تجد أجوبة لا من أمي ولا مني .
وصلنا إلى حي البلايط وكان المشهد كبيراً . آليات للعدو وجنود وأسلحة وأصوات أجهزة وكلام بالعبرية والعربية , الرجال من البلدة بأعداد كبيرة يجلسون القرفصاء تحت الشمس ينتظرون أوامر الجندي بالوقوف والسير نحو المصير المجهول الذي ينتظرهم .
إقتادني الجنود مع الأغراض إلى خيمة كان فيها ضابط يدعى يعقوب ,هكذا عرف لي عن نفسه , واقتادوا أمي إلى مكان لا يبعد عني سوى أمتار قليلة وهي تقول لهم : ” اتركوا الصبي شو إلو علاقة ، هيدا صبي صغير ما بيعرف شي ” ، ولكن ما من مجيب .
بدأ التحقيق معي أولاً بالترغيب فانهمرت عليّ عبوات العسل والشوكولا وبعدها بالترهيب بالصراخ والضرب ، وبعد قليل قالوا لأمي أن تذهب الى البيت وإنهم سيرسلونني إلى البيت بعدها بقليل ريثما ينتهي التحقيق معي ، هنا صرخت أمي رافضة الطلب وقالت : لا أذهب إلا رجلي على رجل ولدي . وكانت عيناها تقدح ناراً وأحسست أنها ستأكل أحداً من الجنود إن لم يستجيبوا لطلبها ، وكادت تشتبك مع العسكر بعد أن حاولوا أن يبعدوها عني بالقوة لولا أن تدخّل بعض الرجال وقالوا للوالدة بأن تذهب حتى لا تتعرض للإهانة أكثر من ذلك وإنهم لن يؤخروني فرفضت وأصرّت على موقفها إلى أن تدخّل ضابط كبير بالأمر وقال لها بأن تذهب وعلى ضمانته سيرسلني إلى المنزل بعد قليل من خروجها ، وكان يتحدث العربية بطلاقة ، وإنها إن لم تستجب سيأخذونني إلى المعتقل .
امتلات عينا أمي بالدمع وبدأت بالبكاء والنحيب وتوجهت إلى المنزل في ساحة الروس الذي كان قد امتلأ بنسوة من الحي يسألون عني وعن أمي .
بعدها بدأت الأسئلة تنهمر عليّ عما إذا كنت أعرف أحداً من الموجودين من أقارب لي أو من جيران من الحزبيين ، وعما إذا كان أبي يملك سلاحاً وعن أعمامي الذين مرّوا من أمامي في غمرة الأسئلة ؟ ولكن لحسن الحظ لم أسأل عنهم في لحظتها وعن مراكز الأحزاب وعن نادي الديماس المحاذي لمنزلنا إلخ …. من الأسئلة التي بالطبع لم تكن لتجد الأجوبة عنها عندي أنا الطفل آنذاك .
وبعد حوالي الساعة تقريباً وفي النهاية أطلق سراحي بشرط أن لا أنظر ورائي ، عندها وقفت وتوجهت إلى المنزل … وعند وصولي إلى المنزل كان الجميع بانتظاري والكل يبكي . وكانت عودتي تشبه عودة الأبطال ، عناق وقبلات وتهاني .
إنها قصة عادية أمام ما حصل لغيرنا ممن اعتقلوا أو ممن أعتقل أبناؤهم وإخوانهم وأزواجهم ، أو ممن قضى في سبيل الدفاع عن الأرض والعرض من أهالي برجا الشرفاء المناضلين المقاومين الأبطال الحقيقيين .
قصتي لم تكن فيها مواجهات عنيفة وصدامات مسلحة ، ولكن كان فيها عذاب وخوف وقهر …. خلال العدوان الإسرائيلي تعرّض الكثيرون من الشعب اللبناني للقتل والخطف والتعذيب والتهجير ، وهؤلاء لم يكونوا قلة ، ولكن بالإضافة إلى هؤلاء فقد تعرّض بقية الشعب اللبناني إلى الإهانة والقهر والخوف والعذاب .
وهذه الأمور ليست بالسهلة أو الهيّنة بل إنها تترك آثاراً فظيعة لا تقل فظاعة عن ما تعرض له أولئك الذين فقدوا عزيزاً على يد هذا العدو الغاشم .
وأنتم يا من تملكون في ذاكرتكم قصصاً عن تلك الحقبة أو بعدها أليس من المفروض أن تدوّنوا قصصكم حتى لا تكون عذاباتكم ونضالاتكم قصصاً عابرة … إن تاريخ برجا كتبه الفقراء والمناضلون بالسواعد والدم وعرق الجبين .
بسم الله الرحمن الرحيم
اولا: نسال الله ان يرحم الحاجة ام يوسف .
وثانيا: بارك الله فيك يا استاذ يونس :
وثالثا اتمنى ان يستجاب لك على نصائحك الغيورة على الامة بكل اطيافما.
رابعا : عدونا واحد فلماذا نهدر اوقاتنا واقلامنا بإظهار سيئات هذه الجمعية اوتلك كما ذكر الاخ يونس مشكورا .
( النصيحة كانت بجمل ).
كل يوم يحصل في فلسطين أمثلة على إجرام العدوم طفل يختبء وراء ابيه (تم إعدامه ) وكل يوم في القدس تهدم البيوت بالاضافة الى طريقة جديدة لدى الصهاينة الاعداء وهي دهس الفلسطنين العرب بالسيارة واليوم قانون المواطنة اليهودي او ما يعرف بيهودية الدولة وهذا أخطر قانون إسرائيلي حتى اليوم ويحمل في طياته ما يحمل من تهجير للعرب من كل أراضي 48 وهناك فريق مصر على المفاوضات المباشرة وإلا فالمفاوضات غير المباشرة ولكن بدك مين يتابع أخبار الامة .
وكما ذكر الاستاذ يونس ان الكثير من ابناء جلدتنا إتخذوا بعض الدول الاقليمية عدوة لهم والبعض الاخر إتخذ بعض الطوائف عدوة لهم وهناك من إتخذا داخل الطائف الواحدة جماعة عدوا له .
ان بعض الاقلام المأجورة والمحطات المشبوهة والدسائس والاغراءا ت التي يقدمها العدو لعملائه الذين يعملون ليل نهار سرا وجهار ا على طمس ما تبقى في ذاكرتنا من فلسطين والقدس ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقومون بإذكاء نار الفتنة بين أبنا الشعب الواحد فنحن ومنذ إغتيال الرئس الشهيد الحريري لم نعد نجد معنى للحياة والخوف على مستقبل اولادنا وما إلى ذلك وما زال الوضع على ما هو عليه .
اتمنى من الجميع قراة ما كتبه الاستاذ يونس حمية والاتعاظ من هذه التجربة وقراءة المقال عدة مرات وخصوصا المقدمة.
والسلام