موسم الحج في برجا … نوبة وبيارق وأعلام
كتب الأستاذ أحمد سليم عزام : كلما أقبلت أشهر الحج المعلومات ، بل كلما طلع هلال ذي الحجة خفقت القلوب خفقة الشوق واللوعة ، واتجهت الأنظار إلى بيت الله الحرام ، واستعد المسلمون لأداء ركن عظيم من أركان الدين الحنيف ، ليشهدوا منافع لهم ، ويجتمعوا في صعيد واحد ، لذكر إله واحد ، وتلبية نداء مدبر الكون وخالق السماء والأرض . وفي هذا الموسم المبارك يفد المسلمون إلى عرفات ، ليقفوا به وقفة هي من أعظم مقاصد الحج .
ولقد درج أهل برجا الشوف على تعاقب أجيالهم يستجيبون لهذا النداء قاصدين الديار المقدسة ، ينادون بألسنة رطبة بذكر الله ، وقلوب ملأتها الخشية والتقوى : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك .
وكان لأداء فريضة الحج في برجا صدى خاص وشأن هام ، فالحج مجمع الإسلام الأعظم ومحفل المسلمين الأكرم . لذا كان وداع الحجاج ومن ثم إستقبالهم عند وصولهم مكان حفاوة البرجاويين ومحط إهتمامهم ، حيث كانت لهم تقاليد ومراسم يلجأون إليها ويأنسون بها تتقدمهم فرقة النوبة والبيارق والأعلام التي تستدعي الفرح والحبور .
النوبة هي مجموعة من الآلات الموسيقية منها الطبول والصنوج ، الكاسات والمزاهر والبازات والخليليات وغيرها ، إضافة إلى البيارق والأعلام الكبيرة بإسم الجلالة والآيات القرآنية .
وتستعمل النوبة في الإحتفالات الدينية ، كالإحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف ، وفي مناسبة وداع الحجاج وإستقبالهم بعد عودتهم كما تستعمل النوبة في المآتم وذكرى الثالث والأسبوع والأربعين كما كان شائعاً في ذلك الوقت ، وتوضع النوبة في الزاوية وفي حال عدم وجود زاوية ففي أحد بيوت أبناء الطريقة القادرية .
فرقة النوبة : يقوم بمهمة دق النوبة فرقة من أبناء الطريقة يكلف كلٌ منهم بالدق على آلة خاصة وهؤلاء يشكلون فرقة النوبة أو الدقّيقة منهم : الشيخ عمر يحيى – المتني 1900 – 1976 وأحمد علي يحيى – جليلة 1892- 1949 ومصباح خليل البراج 1901- 1950 ومحي الدين مصطفى شبو 1910- 1990 وأحمد حسن الشمعة 1892- 1970 ومحمد علي ترو 1897- 1958 وعلي محمد البقيلي 1917- 1981 وسليم محمد لمع 1913- 1998 ومحمد سعد الدين كجك 1913- 1974 ومحمد حسين الغوش 1907- 1997 ومحمد سليم دمج – نفوس 1908-1980 ومحمد سليم البراج 1921- 1985 وعبد القادر سليم سعيفان – القاضي 1897- 1986 وعلي أحمد دمج 1910- 1987 وأحمد مرشد شبو 1910- 1995 وعلي أحمد البراج 1914 – 2004 وسليم عبد الرحمن سعيفان (لبيبة) 1925 – 2005 وسليم حافظ الغوش ، وكان حملة الأعلام من الشباب الأقوياء ذوي القامات الطويلة . كانت النوبة تشارك في احتفال وداع الحجاج وفي استقبالهم .
كان الناس في الماضي يحتفلون بوداع الحجاج يوم سفرهم ، كما يحتفلون بإستقبالهم يوم عودتهم لما لهذه الفريضة من أهمية ، ولما يترتب عنها من عظيم المشقة التي يتحملها الحجاج في رحلتهم المحفوفة بالمخاطر . وكان عدد الحجاج آنذاك قليلاً وفي فترات متباعدة ، عرفنا منهم في القرن التاسع عشر الحاج يونس ملحم إدريس الذي حجّ سبع مرّات وهو جد يونس ملحم إدريس 1887- 1950 زوجته فهيمة سليم يحيي 1892- 1972 الداية المعروفة بفهّوم ، والحاج أمين أبو خشفة الجد ، والحاج ابراهيم بشاشة الصيداوي جد بني بشاشة في برجا الشوف .
وأوائلهم في القرن العشرين الشيخ محمود البربير وابنه عبد القادر والحاج علي يونس دمج الملقب بالطحش المتوفى أواخر العشرينيات والذي حجّ أكثر من مرة ، ومنهم الحاج سليم الزعرت مؤذن جامع برجا الكبير .
وعام 1931 حجّ اثنان هما : الحاج محمد الزعرت والد الحاج علي الزعرت (عربية) المتوفى عام 1932 والحاج عبد الرحيم سعد جد الأستاذ محمد عبد الكريم سعد .
وعام 1936 وتحديداً يوم الثلاثاء 4 شباط سافر الحاج أمين درويش البراج 1882-1937 لأداء الفريضة ويقولون : كان سفره فرجة لا مثيل لها ، وفي الموسم نفسه سافر الحاج علي دمج 1871- 1965 (الحاراتي) والد أبو فوزي .
وسنة 1947 أدى المناسك الحاج عمر سعيد الغوش 1907- 1985 والد أم بسام أبو ريش ، وكان يوم إستقباله من أيام برجا المشهودة .
أما الحاجّات فأولاهن كما نعلم في القرن العشرين ندّا الحاج 1897- 1963 زوجة مصطفى حسن الشمعة 1887- 1964 ، وقد كانت قابلة مشهورة في برجا ، ومنهن حُسن عبد اللطيف سعد 1890- 1975 زوجة عبد الغني سعد المتوفى عام 1951 ، ومنهن أمينة خليل الشمعة (السوداني) 1917- 1963 وكان في الموسم معها عام 1381 هجري 1962 الحاج علي درويش دمج (المختار) وزوجته عريفة أحمد الخطيب 1897- 1997 .
في صباح اليوم المحدد لسفر الحجاج ، يتجمع الناس في الساحة حيث تقف الباصات المعدّة لنقل الحجاج . بعد قليل يأتي الحجاج يرافقهم الأهل والجيران وتأتي فرقة النوبة وحملة الأعلام وتقرع الطبول وترنّ الصنوج ، ويمتزج صوت الموسيقى بأصوات المنشدين وهم يرددون :
يا راحلين إلى منى بقيادي هيجتموا يوم الرحيل فؤادي
فإذا وصلتم سالمين فبلِّغوا مني السلام إلى النبي الهادي
ويصعد الحجاج إلى الباصات فتتحرك ببطء وتسير لتغادر البلدة ، ترافقها النوبة والمودعون حتى تصل إلى مفرق الجبانة (قرب بيت الددا) فتنطلق من هناك ، ويتوقف دقّ النوبة ويعود الجميع وهم يدعون للحجاج بالوصول والعودة سالمين .
وعلى هذا النحو ، بل بشكل أكثر إهتماماً يكون حفل الإستقبال أثناء العودة فما ان يشيع خبر قدوم الحجاج ، حتى يتقاطر الناس إلى ساحة العين متوجهين إلى المكان الذي تم فيه وداعهم ، (تحت الشير) تتقدم النوبة ، حتى إذا وصلت سيّارة الحجاج ، إلتفوا حولها ، وانزلوا الحجاج وراحوا يعانقونهم ويقبلونهم ويهنئونهم بزيارة بيت الله الحرام والعودة إلى ديارهم وأهلهم سالمين غانمين ، ثم يواكبونهم إلى منازلهم بالأناشيد والأهازيج ودقّ النوبة حتى يصلوا إلى منازلهم .
وما زلت أذكر هذا المشهد عام 1949 يوم عودة الحاج يوسف يونس معاد (شغل) 1897 – 1990 وملاقاته في محلة التعمير (كوع البطنة) وكيف رافقناه من هناك إلى منزله في العريض بحارة العين ، على دق النوبة والأناشيد الدينية ، ومشاركة أبو هاشم وهو شاعر شعبي من الجنوب كان يتردد إلى برجا ويغني في الأعراس والمناسبات المختلفة .
وقد حمله بعض الشبان على أكتافهم وهو يردد حداءً ما زلت أذكر مطلعه : يا حاجّ حجّه مباركة … بزيارتك بيت الحرام .
إنها مناسبة طيبة مباركة ، مناسبة فرح وإبتهاج يشترك فيها معظم أهالي برجا، فتقوي في نفوسهم الشعور بالألفة والمحبة وتشيع أجواء الإيمان والتقوى والعمل الصالح في ربوع البلدة وفي نفوس أهاليها .
تحية وتقدير للمربي الفاضل الأستاذ أحمد سليم عزام على ما يتحفنا به من كتابات تعكس صفحات مشرقة من تاريخ برجا الاجتماعي. ولا يسع المرء الا أن يقدر هذا المستوى الراقي في الكتابة والتعبير ولا عجب في ذلك فهو استاذ العربية لأجيال عديدة.