بعدو على أيام الربع ليرة !!
كتب الأستاذ جمال محمد نور المعوش : كثيرة هي النوادر والحكايا وكثر روادها وهي تعبر عن الأْدب الشعبي وعن واقع مجتمع برجا بعاداته وتقاليده وطرق التعاطي بين الناس فيما مضى من الأْيام ببساطتها وعفويتها مما نفتقده في مجتمع برجا اليوم .
وكلامنا هنا يدور حول شخصية ظريفة مفعمة بروح النكتة والفكاهة ، انه ابراهيم عمرسراج ( أبو عمر ) ومن منا لا يعرفه ، بائع أْقمشة متجول أو كما يقول بعضهم ( عتال برسمال ) يجوب الأْرجاء منادياً على بضاعته المنوعة الموضوعة بانتظام على كتفه .
متحدث لبق ولغة سليمة يشدد فيها دائماً على مخارج الحروف كأنه محام يرافع في المحاكم . بشوش لا تفارق وجهه البسمة ، مواليد 1925، يسكن على مطل بيادرالروس بجانب ( خشافة وموزة وزعرورة ) وغيرهم من الأْلقاب التي كانت تزيد من فعالية النكتة عند أْبي عمر .
كنا مرة على الجبانة نشيع أحد الأْموات وصادف أْنه بعد الدفن قام أحد المشايخ بإلقاء كلمة يتحدث فيها عن عذاب القبر لمن لم يكن انساناً صالحاً مؤمناً حتى ان الافاعي تهاجمه ، فما كان من أبي عمر إلاّ أن همس في أْذن من كان جانبه ( دخيلكن ادفنوني مع عباس ) وعباس بالمناسبة كان حاوياً يلتقط الأْفاعي ويروضها ويداعبها ، وما كلام أبي عمر إلا لتجنب لدغات الأفاعي في الآخرة رغم اطمئنانه الى وضعه الحسن .
صادف أْن رأى احدى الأمهات تحمل طفلها على كتفها فسألها الى أْين ؟ ، أجابت : عند الحكيم في صيدا ( لم يكن في برجا في ذلك الوقت إلا القليل جداً من الأطباء ) . فسأل عند أي حكيم ؟ قالت : عند رمزي الشاب فشجعها على اختيارها قائلاً : هيدا الحكيم بعدو على أيام الربع ليرة ، بمعنى أن سعره متدن قياساً على باقي الأطباء .
كان ذاهباً الى صيدا في سيارة تاكسي كراكب رابع بجانب السائق الى أن جاء شاب ( راكب خامس ) وجلس الى جانب أبي عمر لجهة اليمين وكان يحمل هاتفاً خلوياً ( جديداً في جنبه ) ، رن هاتفه ، صمت أبو عمر ليستمع الى الحديث . جاوب الشاب : الى صيدا …. ماذا تريد ؟ كنافة ، من عند مين ؟ قطر قليل أو كثير ؟ خبز فرنجي أو عربي .. الخ ، فبدا التذمر على أبي عمر ، فخاطبه قائلاً بعد أْن انتهى من مكالمته : ( يا أْخونا صرت حاكي بحق سدر كنافة ) .
كان أْحد بائعي الأْقمشة يزايد عليه في أْنه ان أْراد يستطيع أْن يبيع حملة البضاعة كلها ، فرد أْبو عمر : ( والله كيس لبنة ما بتقدر تبيع ) .
كان أْبو عمر دائم الترحال من مكان الى آخر وطوال النهار من حمص الى حلب الى دمشق فبيروت ، يحب السفر كيفما كان .
داهمه المرض وهو في السبعينيات من عمره ، التقيت به صدفة ، رأيته شاحباً يمشي متثاقلاً متكئاً على عصاه وكأن المرض تمكن منه ، فبعد التحية والسلام ، كيفك يا أْباعمر لا زلت شاباً ، ضع هذه العصا وامش مثل أْيام زمان . أْجاب : هذه العصا هي مفتاح القبر ، خلص اقتربت النهاية … ومات بعد أْشهر رحمه الله .
هو من الوجوه التي عرفتها برجا ، والبرجاوي تميز بالفرح والفكاهة لأنه كان دائم السفر ، التقى شعوباً وأْقواماً مختلفة فاكتسب منها عادات وتقاليد ساهمت الى حد بعيد في تكوين شخصيته الإجتماعية .
بسم الله الرحمن الرحيم
رحم الله ابا عمر سراج